د. خيرية السقاف
اعتدت تسجيل تاريخ المقال في الركن الشمالي الشرقي من الورقة، قبل قليل كنت أفعل هذا، زلَّت حركة إصبعي فجاء رقم 5 مكان الرقم 4 للمئة بعد الألف في تاريخنا الهجري ليصبح 1538..!!
تخيّلت قبل تصويب الرقم أننا في العام نفسه بعد مئة عام، وكيف سنكون؟!
على الأقل أنا ذاتي كيف سأكون؟..
فلئن كنت اليوم الذي أعيش فيه لست كالأمس الذي مضى،
فما ستكون المتغيرات من حولي نوعاً، وحجماً، ومضموناً، ومنجزاً، وفكراً، وكيفية ..؟!
كما إنني كنت قبل الشروع في كتابة المقال، وتأريخ نشره، قد عبرت كالعادة بموجز الأخبار التي طوتها أحداث الساعات التي ركنت فيها للنوم، وبجملة من عطاءات الناس في الوسائل المختلفة تلك التي تلفتني عناوينها قد شاهدت مقطعاً مصوراً لمجموعة من الشباب وهم يقدمون لصديق لهم هدية هي عبارة عن صندوق، وكعكة،
حين فتحها وجدها عبارة عن كفن من القماش الأبيض، مع طحين السدر، والكافور المخصصة لغسل الميت، وقد كتبوا فوق الكعكة الآية العظمى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، ..!!
ذهبت إلى الما بعد، بعد أن شاهدت ردة فعل متلقّي الهدية بعدم الفرح، وبالدعاء على أصدقائه ما يلفت إلى جزع الإنسان من الموت،
هذا الجزع الذي يبعده كثيراً عنه الأمل في الحياة، والعمل لطول البقاء، مع أنّ طول البقاء لن يجعل أحياء اليوم يتوقعون بقاءهم إلى عام 1538!!..
المقاربة بين ما فعلته زلّة قلمي بتسريع التاريخ مئة عام، وما فعله أصدقاء الفتى، وهم يهدونه كفناً، وتذكيراً بالموت، أنّ هناك نهاية حتماً ستأتي، وأنّ الزمن لا يعبأ بالأحلام، ولا بالتمني، ولا بوفرة الأمل، بمثل ما إنه لا يستجيب البتة لرغبة من يرغب في استعجاله، ويعمل تحريضاً لقفزه عن لحظة هو فيها يوماً من شهر، وشهراً من سنة، وسنة من عقد، وعقداً من قرن..
لكن بينهما الكثير من التداعيات المُثرية لمخيلة إنسان طبيعته أن يفكر،
أن يتأمّل،
وفي داخله موقدٌ، وجمرٌ..!!