د. محمد عبدالله الخازم
بعيداً عن دروس الحملات الانتخابية والإعلامية والسمات الشخصية للمتنافسين هناك سؤال عريض، لن أستطيع الإجابة عليه بدقة ولكن أجتهد في فهمه، هو لماذا اختار الشعب الأمريكي الرئيس ترمب؟ ما هو القلق الأكبر الذي دفع بالشعب لاختيار التغيير؟
أهم المتطلبات التي ينشدها أي شعب في العالم هي الأمان وتوفر لقمة العيش، ويسبق ذلك أهمية السلاح النووي وطبقة الأوزون وأخلاقيات السياسة الخارجية. هم المواطن الأمريكي لا يختلف عن هم أي مواطن في أي دولة أخرى، حتى وإن اختلفت آليات التعبير، رغم أن بعض محللينا يراه شعباً مثالياً ومثقفاً في عنايته بالسلام العالمي وإنقاذ شعوب العالم ...إلخ.
هناك شعور، سواء كان حقيقياً أو غرسه الإعلام، لدى الشارع الأمريكي بأن هناك أخطاراً أمنية تحدق به في عقر داره متمثلة في الهجمات الإرهابية، وزاد هذا الشعور بعد أحداث سبتمبر 2001م وكان سبباً في فوز بوش الابن حينها. هذا الهاجس ما زال يشغل الشارع الأمريكي ولم يستطع قادة الحزب الديموقراطي بما فيهم هيلاري كلنتون دحره، فكل فترة يظهر إرهابي يفجر في ملهى أو مكان عام أو نحو ذلك. لذلك كان تركيز ترمب على علاقة منافسته بتأسيس داعش وتركيز فكرة سياسته الخارجية حول القضاء على داعش، كمهدد للأمن القومي الأمريكي وعلى تقنين الهجرة والشك في مهاجري الشرق الأوسط... إلخ.
أما أمان المعيشة وتوفر الوظائف والأعمال للشعب الأمريكي فقد كانت الرسالة الضمنيه لترمب مقبولة أو مختلفة حول معالجتها، سواء كرجل أعمال يفهم كيف يصنع الوظائف والأعمال أو بتركيزه على ما ينظر له كمسبب من أسباب تقلص الأعمال، كذهاب الوظائف للمهاجرين، أو كمعاهدة نافتا التي تضم كندا وأمريكا والمكسيك وتسببت في انتقال المصانع والأعمال للمسكيك وغيرها من الاتفاقيات. ترمب ركز على أنه يريد إعادة الصناعة والأعمال التي هربت للصين والمكسيك وغيرها للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا هو حلم المواطن...
الرئيس الأمريكي كان بسيطاً، شعبياً في رسالته التي ظاهرها العنصرية والإقصاء، لكن فحواها العميقة تمس مشاعر المواطن الأمريكي، بعكس منافسته التي ظلت تكرر خطاباً قديماً فوقياً لم يلامس هم المواطن اليومي. قضية الأمن والمعيشة ليست تخص المواطن الأمريكي وحده فنحن نلحظها في دول كثيرة، بما فيها دولنا، فما أن يتسبب مقيم أو مهاجر في مشكلة أمنية أو في حجب وظيفة يرى المواطن أنه أولى بها حتى تبرز الأصوات مطالبة بمعاقبة جميع من ينتمي لتلك الجنسية وترحيلها ومنعها من التوظيف أو العمل.
الدرس الذي يجب أن تتعلمه الحكومات هو أن أولويات المواطن قد تختلف عن أولويات السياسي والمثقف. فوز الرئيس الأمريكي، مرده كون الشعب الأمريكي - العادي وليس أصحاب المصالح الخاصة- مثل كافة شعوب العالم يبحث عن الأمن والأمان ولقمة العيش والوظيفة والعمل.