عبد الله باخشوين
في حوار تلفزيوني مع الشاعر الشعبي المبدع خالد المريخي.. أشار إلى افتقاد الشعر الشعبي لـ(المنابر) المناسبة.. كالأمسيات التي كانت في وقت مضى قد صنعت من فرسان القصيدة الشعبية نجوماً ذات وهج وبريق طغى على ما كان للشعر الفصيح من بريق ولمعان.. وذلك في إشارة لما كنا قد ذهبنا إليه حين قلنا بـ(موت الشعر).
رغم أن حضور المريخي في عالم القصيدة المغناة يظل مميزاً في كل ما استمعنا إليه وبكل الأصوات دون استثثناء.. أما في عالم (القصيدة) فهوكغيرة من شعراء الفصيح والعامي يشكو من غياب المنابر والحضور.
هذا يذهب بي إلى شاعرين كبيرين هما الأكثر تميزاً في عالم الغناء في الجزيرة العربية ونعني بهما الشاعر إبراهيم خفاجي والشاعر حسين المحضار.
فمنذ البداية أدرك كل منهما أنه يريد أن تتردد قصائدة على كل لسان.. فاتجها إلى كتابة القصيدة الغنائية في كل نتاجهما.. فلا توجد لإبراهيم خفاجي ولا قصيدة واحدة غير مغناة.. وإن وجد بعض القديم الذي تراوح بين العامي والفصيح فلا يوجد أحد يتذكره على الإطلاق.. لذلك نجد أن مسارة الإبداعي والفني مضى يتصاعد على ألسنة من غناه محققاً انتشاراً واسعاً لا تحده الآفاق لقدرته على التجدد ومحاكاة وجدان المستمع.
حدث هذا أيضاً بالنسبة للشاعر حسين المحضار الذي يوجد شعراء يفوقونه شأناً مثل (حداد بن حسن) صاحب الأغنية الشهيرة (قال الفتى) وغيرها كثير.. غير أن ما تم غناؤه من شعره هو النزر اليسير لكن لا أحد يذكر له سوى ما تم غناؤه فقط.. أما حسين المحضار فقد وضع في (خياله الشعري) صوت الغناء وأحياناً صوت المغني.. وكتب ما جعل كل شعره يتردد مغنى على كل لسان.
هذه الخاصية أعتقد أن الشاعر المبدع خالد المريخي هو أكثر أبناء جيله من الشعراء الشعبيين امتلاكاً لها.. وكان من الممكن أن يجعل كل قصائده (مغناة) لو أنه انعتق من كثير من الهموم الخاصة التي حركته للكتابة عنها.. وهي هموم يشترك معه فيها كل الشعراء تقريباً.. لكن الهدف من الكتابة هو (الوصول) وأدراك أن هذا يتم عبر (الغناء) يدفع بالشاعر لتقديم نوع أنواع التنازل بما يجعله يحول الحالة الخاصة والشخصية إلى ما يخرجها من خصوصيتها إلى الحد الذي يتمكن معه من صهرها في حالة إبداعية مسقطة في (نص) قابل للغناء.. أي أن على شاعر مبدع في (حالة غناء) مثل خالد المريخي أن يكرس نتاجه الشعري لـ(حالة الغناء) التي أصبحت هي السائدة وهي القادرة على الوصول عبر القناة الوحيدة التي أصبحت متاحة للشاعر.. وهي حالة إيجابية قابلة للتجدد والتجديد وقابلة بمشاعرها الغنية للوصول إلى قاعدة جماهيرية أوسع كثيراً من ما يتيحه الإلقاء أو النشر.
ذلك أن قصائده مشبعة بالموسيقى والكلمة السلسة الموقعة التي تلهم من يقوم بتلحينها وتفتح أمامه عدة آفاق للإبداع اللحني.. طبعاً هذا إذا أراد المريخي أن يبقى حياً في ساحة الكلمة.. وإلا عليه أن يجيب لنفسه على سؤال يقول: أين ذهب أبناء جيله من الشعراء وماذا كان آخر نتاجهم؟.. فقد (طال الصوت) وأصبح فارس الكلام بعيداً عن الورق والقلم.
مضى الوقت الذي كانت فيه القصيدة تمضي في السباق مع كوكبة من الجياد الأصيلة وغير الأصيلة.. لم يعد فرسان الشعر يمتطون جياداً تصهل وتركض لتسابق الريح.. أصبحت الفرسان هي الأدوات القادرة على إيصاله بأجواء الموسيقى وروحها أيضاً.