د. جاسر الحربش
مراكز الاستشارات الغربية لا تخلص في تقديم النصيحة لدولة نامية إلا عندما تمتلك تلك الدولة شيئين : ثروات قابلة للاستثمار الغربي، وبنية تحتية تحتاج للإصلاح ليصبح الاستثمار فيها مفيداً على الأمد الطويل. مصلحة الدولة النامية من الاستشارة ومن تحسين البنية التحتية مسألة ثانوية.
المهم تحسين الظروف الاستثمارية لدولة المركز الاستشاري نفسه قبل الدولة طالبة الاستشارة.
شركة ماكنزي شركة استشارية أمريكية حققت أهم نجاحاتها داخل الولايات المتحدة الأمريكية (مع بعض الإخفاقات هناك)، لكن أهم محطات فشلها الكارثية كانت خارج وطنها الأم، وخصوصاً عندما تكون الدولة طالبة الاستشارة تنوي الاعتماد على نفسها في التنمية المستدامة بطرق ذاتية تعتمد على بناء إنسانها المنتج والاستغناء عن العامل الخارجي في التنمية.
ما ذكرته أعلاه أحد أسباب عدم ثقتي في الشركة الاستشارية ماكنزي.
السبب الآخر هو أن سبب اختيار هذه الشركة لتحقيق معجزة برنامج اقتصادي لا يخر الماء للمملكة العربية السعودية تم وبسرعة مفاجئة بطريقة لم تطرح للنقاش الوطني المفتوح قبل تكليف الشركة.
نعم هناك وعد بأن ما يتبلور من خطط سوف يعرض للنقاش الوطني قبل التطبيق، ولكن في ذلك قدر هائل من التعجيز، فمن يدخل متأخراً في النقاش من السعوديين ذوي الاختصاص سوف يتوجب عليه قراءة آلاف الأوراق وهضمها، في حين أنه لم يكن جزءاً منها عندما نوقشت نقطة نقطة في البدايات.
مع التأكيد على حسن النية عندما تم التكليف المكلف بسرعة ومع افتراض الاقتناع الكامل بنجاح الخطة عند المسؤوليات العليا، إلا أن المسؤولية الإفرادية في البداية في حالة النجاح سوف تحسب أكاليل غار لشركة ماكنزي ولأفراد سعوديين قلائل وليس للتخطيط والأداء السعودي الوطني، ولكن إن تعثرت لا سمح الله سوف تدمر مستقبل الجميع بما في ذلك الأجيال التي لم تولد بعد، وعلينا أن نفكر بعقل مفتوح في هذا الاحتمال.
السبب الثالث هو أنه خلال الأربعين سنة الماضية تجمعت لدينا مئات الكفاءات الاقتصادية والتخطيطية الخبيرة، لكنها كانت تستعمل كأجهزة تنفيذية تكنوقراطية، ليس لها القرار القاطع في رسم وتطبيق الخطط الاقتصادية الخمسية أو العشرية.
هذه الكفاءات السعودية هي التي تختزن جميع أسرار وأسباب الإخفاقات والنجاحات السابقة وهي التي تعرف عن بلدها ما تحت وما فوق الطاولة، وكان حريا بالدولة والحكومة السعودية الاستعانة بها مع إطلاق كامل الحرية للتصرف والاستغناء عن الاستشارات الأجنبية.