ناصر الصِرامي
لم يكن فوز دونالد ترامب بإدارة العالم من البيت الأبيض مفاجأة لمن هم خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية وحسب، لكنه أيضاً عاكس اتجاهات وسائل الإعلام الأمريكية وتوقعاتها، وخلافاً لكل استطلاعات الرأي التي وضعت باستمرار منافسته كيلنتون في المقدمة مع تفاوت النسب!.
بالنسبة لي كان الوضع يشبه كرة القدم، فعندما ترتفع ترشيحات فريق للفوز على فريق آخر، فإن ذلك يؤدي إلى تراخي الجمهور، والفريق صاحب الحظوظ الأكبر، في مقابل تحدي وإصرار جمهور الفريق الأقل حظاً لتحقيق الفوز، وهذا يشبه إلى حد كبير ما حدث، وهو ما كتب عنه المثير (مايكل مور) قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، وهو يشير إلى أن كلينتون ستفوز إذا أتيح لانصارها التصويت من منازلهم وهم يتقلبون على مقاعدهم. فقد ضمنوا نسبياً الفوز قبل الانتخابات، ولن يبذلوا جهداً إضافياً!
وحين صدمتهم النتائج - مثل جمهور كرة القدم - خرجوا للتظاهر، لكن كانت الانتخابات قد انتهت والنتائج أعلنت وسلّم الديمقراطيون، وحتى بعض الجمهوريين - غير المتحمسين لترامب من البداية - بالنتيجة. هذا التفسير المبسط، يتجاهله من يرون بسذاجة في المظاهرات المحدودة بالفعل، بداية السقوط لأمريكا، أو هم يعبرون عن أمنياتهم بذلك!.
من صوتوا لترامب، كانوا جمهوراً عنيداً، وليس جميعهم من أنصاره بالضرورة، لكنهم كانوا يشتركون في الإصرار على إحداث تغير ما، وهز الطبقة السياسية في واشنطن، ومن ثم انتظار التغير مع ترامب أو بعده..!.
أعود إلى موضوعي المفضل دائماً، الإعلام، طوال الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، كانت شكواه المستمرة من ما يسميه «وسائل الإعلام غير الشريفة». الآن، وقد أصبح الرئيس، هل يتوقع أن يفعل شيء للانتقام من وسائل الإعلام تلك؟!
كانت حملته تتحدث باستمرار عن قوانين التشهير بصرامة وتهدد بمقاضاة الصحف وغيرها. ومضت حملة ترامب إلى التشكيك في وسائل الإعلام أمام مؤيديه، ونفي قصص وصفت بأنها أكاذيب، ومنع صحفيين من تغطية مؤتمراته الانتخابية, كما هددت بمقاضاة صحيفة نيويورك تايمز.
بالطبع يملك حرية قانونية لرفع دعوى قضائية، لكن كونه رئيس اليوم سيتغير الكثير من المعادلة، فهو الآن رجل الدولة الأقوى في عالمنا، إلا أنه وفي النهاية يملك الحق في منح المقابلات لمن يشاء؟ أو اختيار الصحفيين المرافقين والمعتمدين لدى البيت الأبيض، إضافة إلى موقفه من صفقات الاندماج الكبرى، وأمامنا الآن صفقة استحواذ « أي تي اند تي» على «سي أن أن»، التي عارضها في حملته الانتخابية، كما اتهم القناة بأنها معادية لحملته الانتخابية..!
إجراءات يمكن للرئيس القيام بها «للانتقام» ممن يعتقد أنهم تعاملوا مع حملته بدون موضوعية أو «شرف»، لكن بالتأكيد سيكون الرئيس مشغولاً بالبيت الأبيض بما هو أهم، وقد يكتفي بتوجيه «صفعات»مهنية أو تنظيمية لبعض وسائل الإعلام!
لكن تبقى القصة الأهم ومحل الدراسة اليوم، كيف تفوق ترامب على الإعلام التقليدي، على الصحف وحتى مواقعها الإلكترونية، وتفوق على الشاشات والمحطات التلفزيونية العملاقة، وحتى استطلاعات الرأي؟!
وكما كتبت «بلومبرغ» على موقعها الإلكتروني، فإن ترامب تحدى واقع وسائل الإعلام التقليدية في وقت مكانته منخفضة في تحريك الرأى العام، كما الإجهاد المالي الكبير الذي تواجهه هذه الصناعة، خصوصاً الصحف.
في سبتمبر، وجد استطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» أن 32 في المئة فقط من الأمريكيين لديهم ثقة في وسائل الإعلام، وهو أدنى مستوى في تاريخ هذا الاستطلاع..!
ما حدث بين ترامب والإعلام مثير للانتباه، مثير للبحث والاستقصاء، وربما يكون هذا أول «الهزات» و«الزلازل»، التي أحدثها ترامب في الأنماط السائدة، أو التوقعات الاعتيادية، والتنبؤات التقليدية..!