د. ناهد باشطح
فاصلة:
(ليس أحد أفضل من الآخر، إذا لم يكن يعمل أكثر من هذا الآخر)
[حكمة عالمية]
عندما بدأت دراسة الإعلام في بريطانيا كان أول ما صدمني لما بدأت أقرأ في بناء الأخبار أن الإعلام ليس مرآة؛ وبالتالي فهو لا ينقل الواقع.
هذه الجزئية تحديدًا كانت أساسًا بحثيًّا حول صورة المرأة السعودية في الصحف البريطانية؛ لأنني ناقشتُ تمثيل المرأة السعودية في الأخبار.
النقطة المهمة أننا نلوم الإعلام ونحن بذلك نلوم الصحفيين على نقل الأخبار التي نتوقع أنها مخالفة للواقع، بينما لا يمكن للصحفي أن ينقل الخبر كما هو في الواقع دون أن تتدخل أفكاره وثقافته في صياغة الخبر.
دليل ذلك مقارنة خبر واحد عن المرأة - مثلاً - فيمكن أن نلاحظ الفرق في بنائه بين صحفي وآخر؛ لأن موضوع قضايا المرأة يختلف فيه الكثيرون في مجتمعنا. فلو تمت مقارنة ثلاثة أخبار عن حدث واحد، يختص بالمرأة، ولنفترض أنها حادثة هروب فتاة من منزل أهلها، فسوف نجد أن أحد الأخبار ربما يركز على مسؤولية الأسرة، بينما الخبر الثاني سوف يركز على وسائل الإعلام، وهكذا.. فالحدث واحد، لكن رصد الصحفي عنه مختلف حسبما يختزنه من أفكار وقناعات عن المرأة.
هذا الفرق يعود إلى تركيز الصحفي على جوانب من الخبر، وإهمال جوانب أخرى، وهو ما ذكره العالم «انتمان» في نظرية الأطر.
وهذا ما يتضح تمامًا في أخبار الصحف الغربية عن العربية، أو العكس، حيث اختلاف الثقافة وحيث يتضح أكثر سيطرة ثقافة الصحفي على بنائه للخبر.
ولذلك لا يخدعنا الصحفيون حينما لا ينقلون الواقع، إنما هم يمارسون عملهم في تشكيل الواقع حسب ثقافتهم أو أجندة صحفهم، وتلك حكاية أخرى؛ إذ يخضع الخبر قبل نشره إلى تعديلات غرف الأخبار التي تصيغه وفق أولويات الصحيفة، وهو ما يعرف بأجندة الصحيفة.
الخبر الذي نقرؤه في الصحف الورقية يمر بمراحل عدة إلى أن يُنشر، بينما خبر صحافة المواطن يمكنه أن يتخلص من قيود أجندة الصحف، لكنه لن يستطيع أن يتخلص من قيود ثقافة الصحفي.
لذلك فلنتوقف عن تحميل وسائل الإعلام ما لا تحتمل من مسؤولية نقل الواقع، ولنهتم بتدريب الصحفيين كيف يمكنهم كتابة الأخبار دون أن تسيطر أفكارهم وثقافتهم على فحوى الخبر.