محمد سليمان العنقري
نقلت وسائل الإعلام بيانًا صادرًا عن شركة ماكنزي الاستشارية العالمية، بيّنت فيه أنه لا علاقة لها برؤية المملكة 2030م، ولم تقم بصياغتها، وقالت: إن التقرير الذي قدمه مركز أبحاث «ماكنزي» العالمي عن الاقتصاد السعودي نشر في عام 2015م، وهو تقرير مستقل، تم إعداده من قِبل المركز، ولم تطلبه الحكومة السعودية، وهو أحد 14 تقريرًا نشرها المركز في عام 2015م.
وأكدت ماكنزي أنه كان من أهم أهداف التقرير إثراء المحتوى الاقتصادي، وعرض الفرص والتحديات، وتوفير البيانات للاقتصاديين والمستثمرين المحليين والدوليين. إلى هنا يتضح أن الهدف من البيان هو الرد على كل ما كُتب عن علاقتهم بالرؤية الاستراتيجية للاقتصاد الوطني؛ إذ تم ربط الرؤية بمختلف مضامينها بأنها ترجمة لأفكار ماكنزي التي وضعتها بناء على تطلعات معلنة للحكومة منذ عقود، تتركز بتنويع مصادر الدخل، وتقليص الاعتماد على إيرادات النفط.
لكن الشركة منذ قرابة العام وهي تقرأ وتسمع الكثير من الآراء التي كُتبت وقيلت من أهل الرأي والاختصاص وبوسائل الإعلام كافة عن علاقتها بالرؤية، وكثير اعتبر أن ما جاء في مضامينها متوافق تمامًا مع تقرير ماكنزي الشهير، وخصوصًا أنها كانت من ضمن أكبر الاستشاريين الذين صاغوا برنامج التحول الوطني مع العديد من الجهات، التي يقال إن ماكنزي كانت على ارتباط بثماني جهات من أصل أربع وعشرين جهة، شملها برنامج التحول، فلماذا قامت «بالنفي» بهذا التوقيت؟ فهل كانت لا تقرأ ولا تعرف ما يدور بالإعلام حول ربط ماكنزي بالرؤية؟!! مما يثير الاستغراب حقيقة بأسلوب النفي إذا صح ما نقلته وسائل الإعلام حرفيًّا، وهي مرخصة، ويستحيل أن تنشر خبرًا أو بيانًا دون أن تتأكد من دقته ومضمونه.
بكل الأحوال، فإن رؤية 2030م اعتمدت من الحكومة، وهي ليست خطة ماكنزي، بل هي خطة حكومية استراتيجية، اشتملت على الكثير من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. وبغض النظر عن دور أي جهة استشارية ساهمت بإعداد الرؤية فإن الأهداف والتطلعات والطموحات بالتأكيد وضعت من جهة رسمية ذات علاقة بإعداد الرؤية، المتمثلة - بحسب كل ما نشر وظهر واعتمد حتى بالإشراف على الرؤية وبرنامج التحول الوطني - أنها «وزارة الاقتصاد والتخطيط»، وهو أمر طبيعي؛ كونها الجهة المعنية بوضع الخطط التنموية، أي أن الشركات الاستشارية دورها ترجمة هذه التوجهات والأهداف إلى خطة طموحة شاملة، لكن مراجعتها وتدقيقها قبل عرضها على مقام مجلس الوزراء الموقر يبقى تحت مسؤولية الجهة الرسمية المكلفة بإنجاز الخطة بعد تعاونها مع كل الجهات الرسمية، وبمساعدة الشركات والمكاتب الاستشارية كافة التي تم اعتمادها لإعداد الرؤية التي لم تُقدّم لاعتمادها إلا بعد المراجعة الرسمية من قِبل المعنيين مباشرة بذلك. وفي هذه الحالة لا يعنينا من هي الشركات الاستشارية التي ساهمت في إعداد الخطة، سواء ماكنزي أو غيرها، فمن سيقدم الرؤية مكتملة العناصر هي الجهة الرسمية المكلفة بذلك؛ ليتم مناقشتها من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وبعدها تعرض على مجلس الوزراء للاعتماد، وهو ما تم فعليًّا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تقم وزارة الاقتصاد والتخطيط بإيضاح دور الشركات الاستشارية، وتحديد كيف تم إعداد ومراجعة الرؤية بشفافية؛ حتى لا تزداد الاجتهادات بالآراء والكتابات التي نسبت كل شيء أُعد بالرؤية تقريبًا لماكنزي؟ فعدم تحرك أي طرف منذ البداية لإيضاح تلك العلاقة والأدوار بإعداد الرؤية أوجد حالة عامة من التحليل والإسقاط على خطط ماكنزي السابقة، وطرح مئات الأسئلة حول قدرتهم على وضع رؤية، تناسب الاقتصاد المحلي واحتياجاته.
نفت ماكنزي علاقتها بصياغة الرؤية، وقد تأخرت كثيرًا في ذلك؛ لأنه طيلة هذه الفترة عبر المجتمع بمختلف الوسائل الإعلامية عن ربط الرؤية بماكنزي، وكأنها كانت مسرورة لهذا الربط الذي يعطيها دعاية كبرى، على الأقل «هذا ما قد يفهم» من سكوتها طيلة الفترة الماضية؛ لأنها رؤية تخص أكبر اقتصاد عربي، بينما المنطق يقول إن الأجدى والأفضل هو أن توضح وزارة الاقتصاد والتخطيط دور تلك الشركات الاستشارية، وتقدم معلومات شاملة عن خطوات إعداد الرؤية، وكيف تمت مراجعتها قبل أن تعتمد بصيغتها النهائية؛ حتى لا يتم تأويل نفي ماكنزي بأكثر من حجمه القانوني والأدبي.