حسن اليمني
لماذا تكسب إيران ويخسر العرب؟ سؤال يستحق التأمل والمراجعة، التهيُّب من مواجهة هذا السؤال لا يفيد، كما أن إنكار حقيقته ليس إلا هروباً للبحث في المجهول، الحق أن وضع الوطن العربي اليوم يحتاج إلى وقفة تأمل وتفكير.
بالرغم من توقيع اتفاقية (كامب ديفيد) بين أكبر الدول العربية والكيان الصهيوني عام 1978 ميلادية، وبالرغم مما أحدثته من زلزال في المنظومة العربية إلا أن الدول العربية بما فيها مصر السادات استطاعت أن تحاصر الثورة الخمينية وتحبسها داخل حدودها منذ قيامها عام 1979 ميلادية وتقليم أظافرها وتحجيمها داخل حدودها حتى عام 1991ميلادية حين انفتحت أبواب الجحيم على شرقي الوطن العربي، وفي فلسطين حاصر العرب الكيان الصهيوني سياسياً واقتصادياً وإعلامياً إلى أن تم توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 ميلادية لنمر بمرحلة الاهتزاز والارتجاج حتى سقط العراق عام 2003 ميلادية وأصبح هو القضية وغابت فلسطين إلا من استعراض للقوة والتدمير الصهيوني المنظم والمؤيد أحياناً وبكل أسف بالصمت وما يُسمى بضبط النفس الأممية.
لم تكن إيران لتنجح في الهيمنة على العراق وسوريا ولبنان واليمن بهذه السرعة التي لم تقدر عليها حتى إسرائيل المحمية والمدعومة من القوى الغربية لو لا التخبط العربي الذي استمر حتى وصل حدّ التمزق الذي نشاهده اليوم بل وتجاوز هذا الحد إلى الغياب التام عن الفعل، لقد كانت سياسة ضبط النفس وتجنب تصعيد القضايا اعتماداً على تحالفات سياسية واقتصادية برغم الاختلاف الحضاري بمثابة المخدّر الذي ما أن بدأ يشح حتى ظهر الصداع والألم، وقد نقول إن الجين العربي المتمثل بتبجيل الأعراف والتقاليد الموروثة رفع بسقف المجاملات والمثالية على حيوية المستحقات وأهميتها ما جعل القمم العربية أشبه بما يُسمى (بروتوكولاً) إعلامياً يساعد منشطات التخدير في مفعولها دون أن يحوّلها إلى إرادات فاعلة حتى وصلت اليوم لتصبح عبئاً (كرنفالياً) لا يهم إلا من يبحث عن ملء الفراغ للمتعة والتسلي، وفي الجانب الآخر نجد أن إيران اليوم تظهر كقوة إقليمية تلعب في المنطقة العربية كند للقوى الكبرى وشريكة معها في تقرير مصير العراق وسوريا واليمن ولبنان وحتى ليبيا بل وتفرض حضور دول عربية لاجتماعات دولية تخص العرب في مواجهة دول عربية أخرى بما يمثل قمة (التراجيديا) السياسية.
لا يتحمل سقوط الوضع العربي اليوم نظام عربي أو آخر بقدر ما يتحمله الجميع - نظماً ومؤسسات عربية -، وما لا قد يلتفت إليه كثيرون هو الغياب الثقافي الجمعي والذي أشبهه بالطير وجناحيه الهوية والانتماء، حين تم كسر هذه الأجنحة عجز الطير عن التحليق، قد يكون الأمر أشبه بالرسم (الرومانسي) في نظر البعض لكن الحقيقة أن الإنسان الفرد هو قوام المجتمع والأمة، وقد ظهرت (القومجية) و(الإسلاموية) و(الصحوية) و(الليبرالية) و(السنية و(الشيعية) و(الوطنيين) و(التغريبيين) وإلى آخر ما ظهر وأصبح يترجم حال العرب اليوم بشكل واضح وجلي إلى حد لا أستغرب فيه أن يظهر من يسخر من هذه التصنيفات ليس من باب استخفاف لها بقدر ما هو إيمان بها وهي قمّة المأساة.
إن انزواء وتواري قيم الهوية والانتماء عن الرؤية السياسية في بناء العلاقات الدبلوماسية لقاء صناعة علاقات وتحالفات أو تجنباً لتبعات مواقف مبدئية لدرء اختلاف أو تعارض أفضى بنا اليوم إلى أن يصبح الوطن العربي اليوم مزدحماً بالقوات المسلحة من دول إقليمية ودولية بتنا نستجديها الرأفة والممكن، والأمر كذلك فإننا بحاجة ماسة لبناء رؤية تحوُّل سياسية مبنية على أسس صلبة أصيلة قوامها حماية الهوية والانتماء كهدف نرسم له الخطط الإستراتيجية والخطى المرحلية والوقت لم يفت بعد، أتفاءل بالنجاح لإيماني بحيوية العربي وهمته الإسلامية متى توفرت الإرادة السياسية للتحرر من المهانة والخوف والاستعداد للتضحية ببعض المكاسب (المخملية) لقاء مستقبل عربي عزيز، فمن بين أهم الأسباب التي حققت النجاح لإيران في سيادة أربع دول عربية خلال سنوات قليلة هو إيمانها العميق وتصميمها المخلص لاستعادة هويتها الفارسية وإن امتطت المذهبية والطائفية فلا تعد عن كون هذه من الأدوات لتحقيق الأهداف، إنكار الحقيقة لا يغير من الواقع شيئاً، إيران الخمينية ليست نداً لنا بل إن شعبها يمكن أن يكون ضمن قوتنا الحقيقية لكننا اليوم كعرب بلا هوية ولا انتماء.