ماجدة السويِّح
من روزفلت إلى ترامب التاريخ يعيد نفسه، بعد 53 عاماً، حيث فشل تنبؤ وسائل الإعلام بمن سيفوز في السباق الرئاسي بين كلينتون وترامب، كما فشل في عام 1963.
أجرت المجلة العريقة (The Literary Digest) «دايجست» والموثوفة بدقة تنبؤها بأسماء الفائزين في الانتخابات الرئاسية من عام 1916 استطلاعا هو الأكبر والأغلى في تاريخ المجلة لمعرفة من الفائز على عينة بلغت 2.4 مليون مواطن من أصل عشرة ملايين تم حصرهم كعينة ممثلة من كل الولايات الأمريكية، وكانت نتيجة التنبؤ بفوز الحاكم الجمهوري ألفريد لاندون بنسبة 57% ضد الرئيس المنتهية ولايته من الحزب الديمقراطي فرانكلين روزفلت بنسبة 43%.
النتائج الفعلية للانتخابات أظهرت عكس التنبؤات حيث حصد روزفلت 62% من الأصوات مقابل 38% للاندون.
فشلت المجلة في توقع الرئيس القادم وبهامش خطأ كبير 19%، فما الذي حدث وأثر على نتيجة استطلاع الرأي؟!
المشكلة كانت تتعلق بالعينة وقدرتها على تمثيل الشعب وأصواتهم الحقيقية في اختيار الرئيس القادم، فقد اختارت مجلة «دايجست» العينة من دليل الهاتف وقوائم المشتركين بالمجلة والأندية والجمعيات، وتم إنشاء قائمة بريدية لإرسال الاستطلاع، واستلمت المجلة 2.4 مليون صوت من الناخبين، وهو عدد كبير، لكن مع ذلك فشل الاستطلاع في تحقيق التنبؤ الصحيح لأن العينة المستهدفة لم تكن ممثلة لجميع الناخبين الذين كان جلّ اهتمامهم منصبا على القضايا الاقتصادية بعد الكساد والبطالة والإنفاق الحكومي.
الحاصل أن المجلة توجهت للناخبين من الطبقة العليا ممن يملكون هواتف واشتراكات في المجلة والنوادي، حيث كان الهاتف والاشتراكات ترفا في ذلك الوقت، وتجاهلت العينة الحقيقية الذين يشكون من البطالة والفقر والظروف الاقتصادية الصعبة، مما أثر على نتيجة الاستطلاع، نظرا للتحيز في اختيار العينة.
ليلة الثلاثاء كانت صادمة ومفزعة للعديد من وسائل الإعلام التي أخفقت في التنبؤ الصحيح بمن سيخلف أوباما في الرئاسة، صحافة البيانات والاستطلاعات التي انتهجتها وسائل الإعلام فشلت في القيام بدورها في قراءة الواقع السياسي، وابتعدت عن الجمهور الحقيقي في التعاطي وتحليل البيانات. مما دعا مايك ميرفي وهو استراتيجي جمهوري بإعلان وفاة صحافة البيانات.
كما أن امتناع مناصري الرئيس ترامب في الإجابة على الاستطلاع دور في فقد شريحة مهمة بحسب رئيس CBS نيوز، بالإضافة إلى صعوبة قياس الرأي العام بدقة في الانتخابات الحديثة، لأن من الصعب الوصول لكثير ممن لم تدرج هواتفهم الجوالة في قوائم معلنة.
ووفقا لأستاذ الصحافة جاي روزين أن هناك تحولا كبيرا في الثقافة السياسة بعيدا عن متناول الصحافة، فما فعلته الصحافة خلال الانتخابات في تغطيتها السلبية لترامب أنهامنحته القدرة في تحويل النقد إلى إعلان مجاني وقادر على التأثير في متابعة
واهتمام الشعب بالمرشح وحاضرا بقوة في أذهان الحالمين بالإصلاحات الاقتصادية التي تحتاجها البلاد.
ما حدث قبل 53 عاما عاد مجددا في الانتخابات الأخيرة، فالعمى أصاب أغلب الصحفيين في اختيار العينة الممثلة للناخبين من الطبقة العاملة، والبيض الفقراء.
النتيجة أن الناخب الأمريكي توجه لمنصات ولاعبين جدد بدل المنصات التقليدية التي لم يعد يثق بها لافتقارها للموضوعية في التغطية، وتوجيه الرأي العام، وأعلن بدوره نهاية صحافة البيانات في التنبؤ والاستطلاع المبكر.