د. حمزة السالم
فاجأنا خلال الأسبوع الماضي بعض الهواة من محللي الأسهم ومن هم دونهم، بإخراجهم نقصان الاحتياطيات من مصروفات البلاد للمال العام، ولم يتساءلوا من أين أتت زياداتها في السنوات الماضية، وما وجدوه من نقص فيها نسبوه لصناديق سرية للدولة أو ربطوه بمبالغ لصندوق الاستثمارات العامة لا يعلم بها أحد. وما دروا أن ما لم يُذكر في بيان صافي وضع الاستثمار الدولي، فإنه لا وجود له في ملكية المال العام، وأن المطالبة بالشفافية تكون في تفصيلات أصول الصناديق وأرباحها وخسائرها لا في مجموعها.
بينما اجتهد آخرون فقالوا: إنما النقص في مخصصات المشاريع. وما أظن قائلها إلا مداعباً، لأنه بهذا التخريج قد ضاعف النقص، بدلاً من أن يحل إشكاليته. فأين أُودعت المخصصات؟ أتراها قد استودعت في صندوق تحت شجرة مُعلمة بسحابة؟ وبما أن البعض أخذ الدعابة بمأخذ الجد، فإن مخصصات المشاريع عندنا تحفظ في الاحتياطيات الأجنبية، وتحديداً هي بند في المطلوبات على المؤسسة.
كما تذاكى بعضهم فقرأ من جانب مطلوبات المؤسسة، وما دروا أن ما يقابلها من موجودات المؤسسة هي تقريباً أصولها الاحتياطية الأجنبية. وتفيهق بعضهم فنسب نقص الاحتياطيات للتحويلات للخارج. ولو تساءل عن سبب كون مطلوبات المؤسسة بالريال وكون ما يقابلها من موجودات بعملة أجنبية! لما أقدم على مقولته. وإن من العجب أن تراهم وقد أجمعوا على قصر ذهاب المال العام في مصروفات الميزانية، وكأن الاحتياطيات الأجنبية التي هي أصول المؤسسة قد جاءت بتبرعات رجال أعمال أو بنوك أو دول.
فليعلم أحبتنا الهواة ومن شايعهم من نظرائهم، أن مصدر الاحتياطيات الأجنبية لبلادنا هي أموال النفط، مهما كانت وسيلة النقد الأجنبي التي انتهت به في الاحتياطيات. حتى ولو كانت احتياطيات مقترضة، فسدادها من النفط. فالنفط فقط هو من يجلب العملة الأجنبية لبلادنا، والنفط مال الدولة العام. وسبب ذلك أن الريال عملة اقتصاد لا ينتج إلا خدمة إيجاد السوق المحلية للسلع والخدمات المستوردة. فليس عليه طلب خارج سوقه..
والمنطق البسيط مع الواقع المشاهد يكفينا لرؤية الصورة الكلية.
1. إن ما يقارب 95 % من الصادرات السعودية هو نفط أو منتجات نفطية أو من مصانع تملك الدولة الحصة الأكبر فيها. وهذا يعني أن غالب مصدر العملة الأجنبية هو الدولة.
2. والاستثمارات الأجنبية، إن حصلت، فإنما هي لمشاريع أو أصول، إن تحققت، فسيؤدي إنشاؤها أو أرباحها إلى خروج ما جلبته من نقد أجنبي عبر استيراد العملة والمواد اللازمة لإنشائها. فأثرها حيادي.
3. إن ما تأتي به البنوك من سيولة أجنبية، لغير الصرافة، فإنما هو لدعم سيولتها بالريال. ولذا تراه في حسابات البنوك من مطلوبات المؤسسة، على شكل حسابات أو أذونات المؤسسة المخصصة للسياسة النقدية. فهو بذلك ملك لمؤسسة النقد، ثمن الريالات التي أصبحت في حسابات البنوك. وأعتقد أن هذه نقود لا تعول المؤسسة عليها كثيراً في احتياطياتها للدفاع عن الريال.
4. ونحن نشاهد أن الاحتياطيات الأجنبية دائماً وأبداً تزيد بزيادة النفط وتنقص بنقصه، فلو تساءلوا عن سبب هذه الظاهرة الدائمة؟ وما هي؟ إن لم تكن الاحتياطيات الأجنبية من المال العام.
فكل ذا منطق يدرك أن الأصول الاحتياطية الأجنبية عندنا هي مال عام للبلاد يتراكم عبر السنين في حالة الفوائض، ويتناقص في حال السحب منه للإنفاق العام، وغالب أصله هو النفط. ولو أردنا اختبار صحة هذه النتيجة لوجدنا صحتها ماثلة أمامنا في كل السنوات وفي كل كشوف مؤسسة النقد، من المسح النقدي إلى مراكز البنوك أو مركز المؤسسة. وهذا لا يحتاج لتأكيد في الواقع، فمن ذا الذي سيعطل نقداً أجنبياً لتكون أصولاً عند مؤسسة النقد.
ومعرفة أصل سبب الوجود هو شرط فهم المسائل. فعدم معرفة الهواة لأسباب وجود الاحتياطيات في أصل نظام الربط وعدم وجودها في نظام التعويم جعلهم لا يفهمون معنى «سيولة البلاد»، أو «المتوافر من الكاش للبلاد»، أو «نفاذ احتياطيات الدولة.» فالمعنى فيها كلها عند -الخبير المتخصص العالم بالاقتصاد النقدي المدرك للاقتصاد السعودي- ينصرف للاحتياطيات الأجنبية، لأن أي قصد آخر لا معنى له.
وبعض الهواة تحذلقوا فقالوا إن المقصود هو احتياطي الدولة العام. فإن كان كذلك، فكيف ينفد الكاش من الدولة ومؤسسة النقد تستطيع -نظرياً- إصدار ملايين الترلوينات في ثوانٍ؟ فما يمنعها إلا أن الريال لا قيمة له خارج البلاد إلا ما تغطيه الاحتياطيات الأجنبية. فنفاد الكاش أو السيولة، هو نفاد العملة التي تستطيع البلاد بها شراء السلع والخدمات.