تركي بن إبراهيم الماضي
كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عن ظاهرة لافتة، قد تشير إلى بروز عصر جديد، الظاهرة التي أعنيها هي تراجع وسائل الإعلام التقليدية (تلفاز، صحافة، راديو) في صناعة التأثير وتشكيل الوعي لدى الرأي العام. الانتخابات الأمريكية بكل ما صاحبها من زخم على مستوى العالم، إلا أنها أيضاً بيّنت أن الإعلام التقليدي بدأ يفقد سطوته أمام شبكات التواصل الاجتماعية. الإعلام الأمريكي قاد بكل وسائله، وبكافة طاقاته، لشحن المواطن الأمريكي ضد اختيار المرشح ترامب في سباق الانتخابات الرئاسية. غالبية القنوات التلفزيونية المؤثِّرة والصحف ذات الانتشار الواسع في الولايات المتحدة شاركت في السخرية أو الإساءة أو التجريح في تلاشي حظوظ المرشح ترامب بالفوز بمقعد الرئاسة في البيت الأبيض. لكن في النهاية، كانت المفاجأة، أن كل هذه الطاقات المجمعة من قادة الإعلام والرأي والساسة والفنانين والأكاديميين التي تشكلت ضد ترامب حماية للقيم الأمريكية، تبخرت هذه الطاقات تماماً، وبقيت بعض آثارها التي لم تمح بعد. يشير ديفيد سيليتو مراسل بي بي سي إلى أن: «انتصار ترامب ضربة قاسية لهؤلاء الخبراء المبغوضين والمطلعين ببواطن الأمور المقربين من النخبة السياسية ومروّجي الأخلاق، لكن هذا الانتصار كان أيضاً إهانة لآلاف الصحفيين الذين قضوا شهوراً يحاولون تحذير الرأي العام من دونالد ترامب.» ثم يؤكد على أن سر نجاح حملة ترامب هو في كسبها وسيطرتها على شبكات التواصل الاجتماعية: «في خضم الحملة الانتخابية، درست مؤسسة «امباكت سوشيال» التي تحلل نشاط وسائل الإعلام التعليقات على موقع تويتر وغيرها من منصات وسائل الإعلام الاجتماعي في ولاية فلوريدا. وبعد استبعاد التعليقات الخاصة بالخبراء والصحفيين وباقي مجتمع المتحدثين على تويتر، اكتشفت مؤسسة «امباكت سوشيال» أن ترامب يتقدّم بفارق كبير عن كلينتون من حيث التعليقات الإيجابية للمغردين، وهذا جاء مناقضاً لاستطلاعات الرأي التي كانت تشير إلى تقدم بسيط لكلينتون على ترامب».
الرأي الآخر في هذه المسألة، كما يتداوله خبراء الإعلام أن ترامب كان يملك خبرة كافية للتعامل مع وسائل الإعلام من حيث نقاط قوتها وأيضاً ضعفها. استثمر كل خبراته الحياتية في أن يجعل الإعلام المضاد يعمل من أجله، وهو ما حدث في النهاية. حملة الكراهية والافتراءات والكذب المتواصل وتزييف الحقائق قلبت الوضع لصالح ترامب بشكل درامي لا يحصل إلا نادراً!
بقيت نقطة مهمة تتعلق بفقدان مصداقية استطلاعات الرأي وآراء المحللين، فقد تكون بعض استطلاعات الرأي أو آراء المحللين متحيزة أو غير مهنية، إلا أن هذه حكاية أخرى، لكن ما أعنيه هو أنه لم يعد بمقدور أحد، أياً كانت خبرته، توقع حركات المجتمعات أو قياس أفعالها تجاه مواضيع محددة. حركة التغيير المفاجئة في المجتمعات المتقدّمة والتي تضرب أماكن كثيرة في العالم غير متوقع لها ذلك. بدأت موجات التغيير تهب في أوروبا وتحديداً في بريطانيا بعد الاستفتاء الشهير على الخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي ثم بدأت الولايات المتحدة بعدها تغييراً جديداً.
عصر جديد يتشكل عنوانه: المواطن أولاً.. ولا أحد سواه!