«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
البعض من الناس، يعيش حياة روتينية لا جديد فيها.. فلا يحاول أن يغيِّر من هذا الروتين الذي قد يثير الملل وحتى السأم داخل نفسه وحتى أهله.
من هنا وبحكمة من الله عزَّ وجلَّ جعل أمام الإنسان وقتاً طويلاً يستطيع من خلاله أن يغيِّر من روتينه الممل خصوصاً إذا كان متقاعداً أو بدون عمل. أو حتى بعد عمله اليومي.
وأذكر أن أبناء الأحساء وبعض مناطق المملكة الأخرى التي اشتهرت بالزراعة.. تجد نسبة كبيرة من سكان هذه المناطق الزراعية لديهم مزارع خاصة أو بساتين نخيل.. يتوجهون إليها في أوقات فراغهم، للاستمتاع بمتابعة الأعمال الزراعية التي يقوم بها العاملون في هذه المزارع، بل إن بعضهم هو نفسه من يقوم بالعمل فيها ولو كان هذا العمل عملاً بسيطاً لا يتعدى أن يفتح مجرى الماء إلى جهة أخرى.. أو يقوم بالسباحة في بركة المزرعة أو «النخل» ولقد شاهدت شخصياً بعضاً من رجال الأحساء الأفاضل من الأعيان وما أكثرهم ممن يملكون مزارع النخيل، شاهدتهم رغم أن بعضهم قد تجاوز عقده السابع وحتى الثامن يمارس رياضة المشي داخل «نخله» وهو يتجوّل بين مئات أشجار النخيل، والليمون والاترنج والرمان وكم كانت السعادة واضحة على ملامحهم وهم يتفقدون ذلك، وبدون مجاملة تجد أمثال هؤلاء أكثر حيوية ونشاطاً من غيرهم، وخبراء الصحة والشيخوخة ينصحون بما فعله هؤلاء. فالطريقة المثلى لكي يحتفظ المرء بحيويته ونشاطه وحتى صحته هو أن يكثر من الحركة، وكما قيل في الحركة بركة، وأحسن طريقة لذلك هي الاستمرار في النشاط.
حتى ولو كان العمل الذي يقوم به من تقاعد عملاً بسيطاً بعيداً عن الاعتماد على السائق أو عامل ما، فما أروع أن تجد أحدهم يتسوّق لبيته بنفسه ولو كان برفقة سائقه، وفي دول العالم تجد جمعيات كبار السن، والمتقاعدين، حيث توفر الأندية والمراكز الترفيهية والتي من خلالها يمارسون هواياتهم أو المسابقات التي تنظَّم لهم كالمشي والجري، كذلك تقدّم لهم كافة الخدمات فليس كل الكبار في السن أو المتقاعدين من أصحاب الأملاك والمزارع. لذلك سعت دولهم لتوفير البديل من خلال إنشاء هذه المراكز وتلك الخدمات التي تتناسب مع أعمارهم.. ومَن أتاحت له الظروف السفر خارج الوطن وعلى الأخص دول الغرب يجد البعض من كبار السن يقومون بأعمال بسيطة وبأجر في الأحياء التي يسكنونها أو مجاورة لمساكنهم مثل تقليم الأشجار أو قص العشب في حدائق البيوت أو العمل في السوبر ماركت كمحاسب «كاشير» المهم يجد له عملاً يبذل فيه جهداً ونشاطاً بدنياً.. والتقدّم في السن لا بد منه فلا بد مما ليس منه بد..؟! فما أروع أن نحسن توظيف قدرات شيوخنا الكبار فيما يعود عليهم وعلى صحتهم بالأفضل.. وما زلت أذكر أديبنا الكبير عبد الكريم الجهيمان - رحمه الله - وهو يؤكّد أن حيويته ونشاطه كان خلفهما حرصه الدائم على السباحة يومياً والمشي. وعندما كان في ضيافتي اصطحبناه إلى مزرعة أحد الأقارب ليمارس عادته المحببة في رياضة السباحة.. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأشياء الجميلة في حياتنا تعتمد على حيويتنا ونشاطنا وهذا يتطلب منا الاهتمام مبكراً بكل ما من شأنه أن يسعدنا ويضفي على حياتنا ومن حولنا البهجة.. لياقتنا وبعدنا عن المحرّمات والممنوعات، تجعلنا أكثر لياقة وشبابا، بل تساهم في مقاومتنا لأمراض الشيخوخة وتبعدنا عن أمراض المفاصل والعظام والعضلات، كذلك تبعدنا عن الاكتئاب والملل.. لذلك أيها الأحبة الكبار ابحثوا عن عمل ولو كان عملاً بسيطاً تمارسونه داخل بيوتكم.. فهذا أفضل لحيويتكم وصحتكم.. متعكم الله بالصحة والعافية وطول العمر..