د. عبدالحق عزوزي
انعقدت بموقع باب إيغلي بمراكش المغربية قمة رؤساء الدول والحكومات المشاركين في الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22). وأقيمت لهذه الغاية قرية من الخيام على 300 ألف متر مربع لاستقبال أزيد من ثلاثين ألف مشارك في هذه القمة العالمية، والتي يفترض أن تسجل تقدماً في مجال الحد من ارتفاع حرارة الأرض.. وأقيمت بالقرية نفسها «منطقة زرقاء» وضعت تحت سلطة الأمم المتحدة، حيث جريت فيها المفاوضات واستقبال الشخصيات والصحافيين ومندوبين من 3300 منظمة غير حكومية معتمدة. كما تم تخصيص «منطقة خضراء» مفتوحة للعموم ممن يسجلون أسماءهم سلفاً لحضور القمة.
وأعرب الجميع عن أمله في أن تكون قمة مراكش «قمة العمل»، وتكرس «التقدم المهم» المحرز في القمة الـ21 التي استضافتها فرنسا في 2015. لذا يتعين بذل جهود هائلة في السنوات المقبلة لبلوغ هدف الحد من ارتفاع حرارة الأرض «دون 2 درجة مئوية» مقارنة بما قبل الثورة الصناعية.. فهناك تأثيرات سلبية ستأتي على الأخضر واليابس في مناطق عدة من العالم إذا لم يتدارك ملوثو الكرة الأرضية الوضع من الآن، وإذا لم تأخذ السياسات العمومية للدول وبالأخص الصناعية الكبرى منها الوضع في إطار سياسات إيجابية وصديقة للبيئة والإنسان والنبات والشجر والدواب وهي أصل حياة الإنسان وعليها مستقبل البشرية جمعاء... فالسياسات العمومية الجوفاء هي التي لا تفكر إلا في الحاضر وتنسى المستقبل، بمعنى أنها تنظر بمنظار أناني ضيق يبتغي تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية آنية وضيقة على حساب مستقبل البشر. ولا غرو أن الخطاب الافتتاحي الذي كان قد ألقاه العاهل المغربي إلى الجلسة الرسمية الرفيعة المستوى لمؤتمر كوب 22، كان معبراً ومؤثراً وجامعاً. فقد أكد فيه جلالته أن هذا المؤتمر يشكل منعطفاً حاسماً في مسار تنفيذ اتفاق باريس. فالبشرية جمعاء تعلق آمالاً عريضة على القرارات التي سيتخذها المؤتمر، وتتطلع إلى قرارات تسهم في إنقاذ مستقبل الحياة على الأرض والإقدام على مبادرات ملموسة وتدابير عملية، تصون حقوق الأجيال القادمة: «إن الالتزام بمواجهة إشكالية التغيرات المناخية، من خلال تطبيق اتفاق باريس، يجسد رغبتنا المشتركة في تعزيز التضامن بين الأجيال. ويعد هذا الانخراط ضرورة أخلاقية، وواجباً إنسانياً، يجب أن يقوم على الإيمان بحتمية المصير المشترك، والتضامن الصادق بين الشمال والجنوب، لصيانة كرامة البشر. فقد تم تقديم وعود كثيرة، خلال العديد من المؤتمرات السابقة، غير أن مؤتمرنا اليوم، هو مؤتمر للحقيقة والوضوح، مؤتمر لتحمل المسؤولية أمام الله والتاريخ، وأمام شعوبنا. فهل سيكون لمؤتمراتنا واتفاقاتنا معنى إذا نحن تركنا الفئات الأكثر هشاشة، هناك في الجزر المهددة بالزوال، وفي الحقول المهددة بالتصحر، في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في مواجهة قدرها المليء بالمخاطر؟ إن إشكالية البيئة هي إشكالية خطيرة، يجب التعامل معها بكل الجد والمسؤولية. لقد ولى عهد الاستعمار. كما ولى منطق فرض القرارات. فالأمر يتعلق بوجود الإنسان، ويقتضي منا جميعاً العمل يداً في يد لحمايته.من هنا، لا يجب إجبار الدول، منذ البداية، على القبول بقرارات لن تستطيع الالتزام بها. وهذا لا يعني أنها ترفضها، وإنما لأنها لا تتوفر على الوسائل اللازمة لتنفيذها.»
نعم إنها مسؤولية جماعية تتطلب حلولاً وشجاعة جماعية، لأن الأرض ليست ملكاً لنا لوحدنا، فهي أمانة في أعناقنا، حتى تجد الأجيال اللاحقة أرضاً وجواً وبحراً كما تركها لنا أجدادنا تتسع للجميع وتورث لما أراد الله له أن يرثها...
فباسم المصير المشترك، وباسم المسؤولية التاريخية، دعي للعمل على ترجمة التشبث بقيم العدل والتضامن، من خلال:
- أولاً: تمكين بلدان الجنوب، وخاصة الدول الأقل نمواً، والدول الجزرية، من دعم مالي وتقني عاجل، يقوي قدراتها، ويمكنها من التكيف مع التغيرات المناخية.
- ثانياً: وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها، وتعبئة المائة مليار دولار، على الأقل، بحلول سنة 2020، والتي كانت مفتاح اتفاق باريس.
- ثالثاً: انخراط كافة الأطراف في تسهيل نقل التكنولوجيا، والعمل على تطوير البحث والابتكار في مجال المناخ.
- رابعاً: إسهام الفاعلين غير الحكوميين، من مقاولات وجماعات ترابية، ومنظمات المجتمع المدني، في إعطاء دفعة قوية لمبادرات: الفعل الشامل من أجل المناخ.
وللحديث بقية