أغلب الأشياء في هذا الوجود قائمة على التصنيف؛ حتى الفكر البشري بما فيه العلوم الإنسانية والعلوم التجريبية تخضع للتصنيف؛ لذا فإن التصنيف في الفكر الإنساني أمر وجودي إيجابي ليس فيه إشكال فلسفي أو منطقي؛ فكل الدعوات التي ترفضه في المجتمعات البشرية هي دعوات قائمة على الأحادية ونبذ المختلف؛ وتريد طمس المجتمع بشكل أحادي يوافق سلطة هذا المجتمع السياسية والدينية .
أين يكمن إشكال التصنيف؟!
يكمن إشكال التصنيف بما بعده؛ بمعنى أن التصنيف بذاته هو أمر إيجابي لكن تبعات هذا التصنيف هي التي تشوّه فكرة التصنيف ذاتها؛ فالسلبي فيه هو أنه يتم حتى تتبعه العديد من الأفعال السلبية كنبذ المخالف، والتقتيل، والإقصاء؛ فالسلبية هنا ارتبطت في التصنيف من خارجه وليس من داخله، ارتبطت بما بعد التصنيف من أفعال سلطوية أثرت سلبًا عليه مع أنه مطلب وجودي .
إننا حينما نتعامل مع التصنيف فنحن إزاء إشكالين في الغالب وهما: السلطة الدينية والسلطة السياسية؛ فهاتان السلطتان هما من شوّه التصنيف في ذاته وجعله منبوذًا في ثقافته لأن التصنيف هنا خروج عن أحادية السياسي والديني التي يسعى لها لطمس تعددية المجتمع؛ فلن يستطيع السياسي والديني أن يُخضع المجتمع تحت سلطته إلا بتخويفهم من التصنيف وجعلهم ضمن إطار أحادي خاضع له . و لهذا فإننا إذا تجاوزنا السلطتين الدينية والسياسية فإن التصنيف سيصبح أمرًا طبعياً إنسانياً لا يحمل إشكالات تغير تعاملنا معه .
فإننا حينما ننعت إنسان ما بأنه شيوعي أو ليبرالي أو سلفي أو ننعته بلونه كالأسود أو بعرقه كالعربي أو الكردي أو ننعته بانتمائه السياسي كالملكي أو الديموقراطي أو بمذهبه كالسني والشيعي كل هذه التصنيفات لا تحمل في ذاتها سلبًا، بل هي مطلب ضروري لتمييز الفكر البشري؛ لكننا حينما ننعت فلانًا ما بأنه ليبرالي حتى نقيم عليه حد الردة فهنا يتشوّه التصنيف بما بعده وليس في التصنيف ذاته؛ أو ينعت السياسي فلان ما بأنه شيوعي حتى يسجنه فهنا يكمن إشكال التصنيف .
فالذي ينبغي علينا أن ننبذه ونتجاوزه هو الفعل التابع للتصنيف وليس التصنيف ذاته؛ وما بعد التصنيف يرتبط بالسلطة أيًا كانت هاته السلطة التي تُمارَس على الفكر البشري حتى تجعل منه شكلًا أحاديًا يسهل لها التعامل معه؛ و تستطيع أن تحكم سيطرتها عليه؛ وفي أحيان كثيرة تخوّف من التصنيف حتى تزيح الأفكار المخالفة لسياستها و مذهبها الديني؛ فالسلطة هنا ترفض بروز مخالف لها من خلال بروز نعته كالسلطة السياسية السنية أو الشيعية التي ترفض بروز مصطلح (فلان شيعي أو فلان سني) حتى تطمس وجوده تحت سلطتها السياسية و ليس هدفها المحافظة على حقوقه الشيعية أو السنية.
- صالح بن سالم
_ssaleh_ @