عندما اطلعت على مقال د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي، تحت عنوان «خمس رسائل تختصر مسافات التعب» المنشور يوم السبت الموافق 28 صفر 1436 هـ أي قبل عامين تقريباً، والذي نشر من خلاله ما دار بينه وبين د. عبد الله الغذامي من رسائل إلكترونية إبان سفر الأخير والذي اكتشف من خلاله مرضه بمحض صدفة، توقفت كثيراً عند ذلك المقال، وأعدت قراءته أكثر من مرة خلال يوم واحد. فقصة الرسائل رواية، وما كتب في الرسائل جمع بين الأدب الرفيع والمعاني الإنسانية الهائلة، والقيم الممتدة بجذورها في أعماقنا.
لقد اختصرت تلك الرسائل شروح المعلمين، وأصوات المُربين، وأمثلة الكتب، وعمدت إلى استحضاركل القيم المغروسة في الأعماق الإنسانية، سواء كانت قيمة إيمانية، أو قيمة أخلاقية، بل أنها فجرت كل ينابيع الصيغ الأدبية التي جاءت من كل فج عميق، وضخت في كل رسالة من تلك الرسائل مشاعر لا توصف من شاعر ولا راو. لأن الصداقة قيمة عميقة، وسبيل من سبل الحياة، كتب د. إبراهيم حين طرأ أمر يستوجب الكتابة لصاحبه ما يلي: «أسعد الله أمسيتك، أستاذي وصديقي أبا غادة، وأرجو أن تكون بخير مع من تحب، اشتقنا لرؤيتك فعسى ألا يطول غيابك كما الجميع في جلستي الأربعاء والجمعة يهدونك تحياتهم».
لقد تجلت في تلك الرسالة كل معاني الشوق للصحبة الطيبة، ولا شك أن الاثنين كليهما محسود في صداقة الآخر، وفضلاً عن شوق د. إبراهيم لصاحبه، إلا أن في أسلوب الرسالة المختصر جداً وطريقة بدئها ونهايتها دروساً تستحق أن تدرج ضمن دروس الأدب، وتحديداً في أدب الرسائل، بل إن فيها الحس الأخلاقي في مخاطبة الكبار والدرس الأدبي في كيفية جلب المعاني، واستدعاء المشاعر بصورة بلاغية سلسة، وفي بضع سطور، فلا هو الذي جر صاحبه لأحاديث طويلة، وهو يعلم مقدار انشغاله، ولا هو الذي تركه دون أن يبلغه مقدار الشوق لرؤيته، فكانت تلك الرسالة الخفيفة اللطيفة.
إن ما دفعني لكتابة ذلك، هو أن الرسائل المكتوبة بين الناس سواء كانوا عشاقاً أو أصدقاء، بين الآباء والأبناء، أو بين الإخوة فيما بينهم، هي أدب كاد أن ينتهي ويندثر بعد هذه الثورة الرقمية والمعلوماتية الكبيرة، حتى أن الإنسان يكاد يضيق ذرعاً من أخيه حين يبعث له برسالة رقمية عبر هاتفه، والأدهى والأمر أن المرسل في حالات كثيرة لا يكاد يحسن كتابة الرسالة، فلا يبلغ مقصده من تلك الرسالة، هذا إن لم تصبح وبالاً عليه!
في الجزء القادم من المقال، سأستعرض رد د. عبد الله الغذامي، والمعاني الكبيرة التي حملتها رسالته لـصديقه د. إبراهيم التركي.
- عادل بن مبارك الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
@ AaaAm26