تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم توتراً أمنياً، حيث شهدت أكثر من 10 حروب منها الحروب العربية الإسرائيلية والحرب العراقية - الإيرانية، وحرب الخليج الأولى ثم الغزو الأمريكي والبريطاني للعراق في عام 2003، وما تلاه من حروب أهليه لازالت مستمرة حتى يومنا هذا. ومن الصعب التكهن بانتهاء هذه الحروب في ظل انحسار الدور الأمريكي وعجز الأمم المتحدة عن تولي مسئولياتها عملياً تجاه منطقة لها أهمية اقتصادية واستراتيجية ومصالح دول كبرى. فالمنطقة تتميز بطبيعة جيولوجية تختزن ثروة وافرة من المعادن والنفط والغاز والمياه والمواد الخام اللازمة لعملية التصنيع والتنمية الصناعية. وكل هذه الثروات هي ما جعلت الشرق الأوسط محط أنظار الدول الطامعة عبر مر الأزمنة والعصور.
يخبرنا التاريخ خلال حقبة الاستعمار بأطماع روسيا مثلاً في الوصول إلى المياه والأجواء الدافئة في منطقة الشرق الأوسط والاستيلاء على ثرواتها الطبيعية، وقد ظلت منذ ذلك الحين عاجزة عن الوصول إلى المنطقة لاسيما بعد تفككها وانهيارها اقتصادياً أبان فترة حرب النجوم، التي قضت على آمال الدولة السوفيتية في الاستمرار كقوة عظمى أمام الولايات المتحدة الأمريكية. لكنها تمكنت مؤخراً من تحقيق حلمها بالوصول إلى الشرق الأوسط، عندما رست سفنها الحربية الحاملة للطائرات قبالة السواحل السورية على البحر الأبيض المتوسط. وبذلك تكون روسيا، وهي القطب المنافس التقليدي والعدو اللدود للوجود الغربي في المنطقة، قد حصلت أخيراً على تأشيرة زيارة تسمح لها بالإقامة في سوريا والسباحة في المياه الدافئة، مقابل التوافقات والتفاهمات السياسية والاقتصادية مع أوروبا وأمريكا.
وكانت روسيا فرضت نفسها كقوة عسكرية كبرى بعد انتهاء الحرب الباردة كلاعب رئيسي في الساحة الدولية، وبتحدٍّ كبير للخطر الذي يشكله اتساع دائرة حلف الناتو، والتهديد المباشر لمنظومة الدرع الصاروخية في العاصمة البولندية، وارسو، على أمن روسيا، ناهيك عن وجود القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية. وبالرغم من تمدد الحلف الأطلسي ليقترب من حدود روسيا مع أوروبا الشرقية، إلا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أرادت - في عهد الرئيس أوباما - تغيير مسار العلاقات مع روسيا، بحيث اتجهت إلى مغازلة ومداعبة الدب الروسي بدلاً من مهاجمته في أوج قوّته وشراسته.
ومنذ مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية كانت الشركات الروسية تعمل على دعم إيران اقتصادياً وعسكرياً ونووياً، لتكون قاعدة انطلاق لها باتجاه المنطقة العربية، وهو ما حدث بالفعل حينما انطلقت الطائرات الروسية من القواعد الإيرانية لتضرب المدن السورية تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
ومن هنا نفهم كيف فازت روسيا بصفقة إرساء مناقصة تدمير شمال سوريا لإيجاد موطئ قدم لها في البلاد العربية. كما نفهم كيف فازت إيران، ذلك الابن المدلل لروسيا الاتحادية، بصفقة استلام وإدارة أربع عواصم عربية، من خلال حصولها على دور البطولة في المنطقة نيابة عن القطبين المتنافسين. في حين أوكل الوكيل جزءاً من مهام المشروع إلى مقاولين من الباطن مثل حزب الله في لبنان والحركة الحوثية في اليمن والحشد الشعبي في العراق. فما رأيناه منذ مارس 2003 إنما يدل على اتباع سياسة «الأرض المحروقة» لبث الذعر والخوف في نفوس المجتمعات العربية وإجبارها على الهجرة والاستسلام وعدم المقاومة.
كان إشعال الحرائق أو ما يسمّى بثورات الربيع العربي في المنطقة العربية، يأتي كمرحلة أولى تمهيدية تسمح لإيران وبمساعدة من روسيا البدء في مرحلة أخرى، تتمثل في الهيمنة والسيطرة على مناطق التوتر والنزاعات المسلحة خلال فترة الثورات العربية، وبالتالي العمل على إنجاز مشروع الدول الكبرى المتمثل في «الشرق الأوسط الجديد» نيابة عن تلك الدول. ولذلك فلا غرابة أن يتبع الشيطان الصغير تعليمات أستاذه الكبير ويحفظ الدرس جيداً، عندما سعى إلى إيجاد مقاولين من الباطن في دول عربية، بحيث ينوبون عنه في زلزلة وتفكيك وحدة البنيان العربي، لتبدأ مرحلة تنفيذ المشروع الذي يتفق مع سياسة الكبار. فالطائرات الحربية للدول الأجنبية تدمر البنى التحتية بالصواريخ، لتسمح للقوى والمليشيات المتعاونة بالتحرك تحت هذا الغطاء الجوي لأجل التوغل والسيطرة على الأرض من ناحية, وتفجير الصراعات الطائفية, ثم تهجير المسلمين السنّة من مدنهم وقراهم من ناحية أخرى.
وحينما تصدع البنيان وزلزلت أركانه
تفجر الصراعُ ما بين بكرٍ والتغلبي الزيرُ
من ليبيا للشام فالعراقِ واليمن
حرائقٌ أوقدها الشيطان وابنه الصغيرُ
ونظراً لتعاظم خطر التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، وتراجع الدور الأمريكي حيال قضايا المنطقة، فقد اتخذ القائد الفذ البطل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - موقفاً حازماً، عندما أعلن عن تشكيل قوة ردع عربية وإسلامية للدفاع عن بلاده وشعبه ومقدسات الأُمتين العربية والإسلامية.
لم تكتف الدول الغربية بتأسيس وطن لليهود في فلسطين المحتلة فحسب، بل سعت منذ ذلك الحين إلى تقسيم الوطن العربي الكبير ثم تقسيم المقسّم، تحت ذريعة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.
ولم تَعُد النكبة التي تمثلت في تهجير السكان العرب أثناء حرب فلسطين في عام 1948 هي النكبة الوحيدة، كما ولم تَعُد نكسة 1967 في حرب الأيام الستة بالنكسة الوحيدة كذلك والتي أدت إلى تهجير آخر للفلسطينيين من ديارهم، بل توالت النكبات وتجددت النكسات والمؤامرات على منطقة الشرق الأوسط من الخليج إلى المحيط.
كم نكبةٍ حلت بنا, وكم من نكسةٍ؟
والمسجدُ الأقصى يئنّ: .. «متى التحريرُ؟»
- منصور ماجد الذيابي