رقية سليمان الهويريني
يبدو أن الحكومة أدركت مؤخرًا كمية الهدر المالي والجهود البشرية المبددة في مراكز الرعاية الصحية الأولية، وبدأت التفكير جديًّا في إعداد برنامج تأمين صحي، يقدمه صندوق حكومي، يتيح الاستفادة من الخدمات الصحية في القطاعَيْن العام والخاص، وفقًا لأحكام وقواعد مقـننة!
وحتى يشعر المستفيد بقيمة الخدمات المقدمة له، ويستشعر أهميتها، فإنه سيتم تحميله نسبة استقطاع لا تتجاوز 5 % من تكاليف الخدمات الصحية المقدمة، ومن ضمنها الكشف والعلاج، بحيث تتوسع تلك المراكز بخدماتها لتشمل رعاية الأمومة والطفولة، وبرامج التحصين المختلفة ومكافحة الأمراض المعدية، وعلاج الأمراض المستعصية، وعمليات إزالة الأورام وزراعة الأعضاء والغسيل الكلوي.. وستشمل خدمات الرعاية الصحية لذوي الظروف الخاصة والمسنين والطلبة والحوادث والطوارئ والكوارث والصحة النفسية.
وهذا الإجراء سيتوافق مع التوجهات الحكومية في تخفيف الأعباء المالية عن الدولة، وزيادة مواردها من خلال الاستفادة من الخدمات الصحية في القطاعَيْن، وتحسين كفاءتها.
ولعل صندوق التأمين الصحي يساهم في تفريغ وزارة الصحة من بعض المهام التنفيذية؛ حتى تتمكن من أداء أدوارها التخطيطية والإشرافية والرقابية والوقائية.
ولكي ينجح هذا الصندوق فإنه يجدر بوزارة الصحة تهيئة المجتمع بشرائحه كافة لهذا الإجراء؛ كيلا يُفاجَأ الناس الذين اعتادوا على المجانية في الاستفادة من الخدمات الحكومية، مع ضرورة السعي لنشر الوعي الصحي بين المواطنين والوافدين، من خلال اعتماد برامج الوقاية والتثقيف الصحي، ومعالجة العادات الصحية الضارة، والنظر بعين الاعتبار والرحمة للمحتاجين وأصحاب الدخل المحدود، ولاسيما في علاج الأمراض المستعصية والمزمنة، والعدالة والمساواة بين المرضى في جميع المناطق.
وينبغي على القطاع الخاص مشاطرة الحكومة من خلال دوره الحيوي والمهم في تعزيز هذا التوجه، وإلزام البنوك بالمشاركة تحت مبدأ (المسؤولية الاجتماعية) بالتكفل بعلاج المرضى الذين لديهم حسابات فيها، مع التنسيق وعدم الازدواجية بينها. ولعل ذلك يوقد الحماس والتنافس بين البنوك؛ فتنشط في حفز الناس وتشجيعهم على الإيداع لديها مقابل علاجهم أو رعايتهم صحيًّا.
وهذا التوجُّه سينقل الحكومة من دورها الأبوي وأسلوبها الرعوي نحو مواطنيها إلى مشاركتهم لها بالتنمية المستدامة، وليتحملوا جزءًا من مسؤولياتهم ومتطلبات أسرهم.