حمّاد السالمي
كتبت يوم الأحد الفارط؛ عن الطريقة التي نتعاطى بها مع (السوشيال ميديا social media)، من خلال وسائطها المختلفة على الشبكة العنكبوتية، بعقلية تسليمية دون تدقيق أو تمحيص، مما يعرضنا لأضرار فادحة دينية وأخلاقية وخلافها، ويكبدنا خسائر جمة على المستويين الفردي والجمعي. (http://www.al-jazirah.com/2016/20161113/ar2.htm).
ما كان هناك من مجال لضرب الأمثلة وهي كثيرة، لكن قراء المقال في الصحيفة وعلى (الفيس بوك والتويتر)، نهضوا بهذه المهمة، التي تلقي المزيد من الضوء على الفكرة المطروحة، ومنها ما يُبث بصورة أوسع وأخطر على حسابات المشتركين في (الواتس أب WhatsApp) على وجه خاص.
شكل واحد من أشكال التعاطي الخطرة جدًا مع التداول المعرفي في وسائط السوشيال ميديا، يتمثل في التداول الممارس بشكل واسع فيما يختص بوصفات علاجية لكافة الأمراض التي يتعرض لها الإنسان في حياته. مصادر هذه الوصفات التي تتركز حول العلاج بالأعشاب تقريبًا؛ لا صلة لها بالطب، ولا بالصيدلة، ولا علم لها بالأدوية العشبية أو الكيميائية المتعارف عليها في المشافي والأسواق.
إذا أردت أن تعرف كيف تتخلص من مرض السكر؛ وأمراض ضغط الدم، والنقرس، والروماتيزم، والصداع، والحساسية، وفيروس الكبد، وما شابه ذلك؛ فما عليك سوى انتظار وصفة تأتيك بشكل يومي على حسابك في (الواتس أب)، من مصدر معلوم أو مجهول؛ يقسم ويحلف الأيمان المغلظة؛ أنه شرب الماء الحار على الريق لمدة أسبوع، فشفي من كافة هذه الأمراض. وآخر يدلك على سحر الحبة السوداء والشمر والزنجبيل وأخوات هذه العشبيات؛ إذا أردت أن تعود إلى صباك، وتتحول بقدرة قادر إلى فحل، دون زيارة طبيب مختص، ولا زيارة مراكز طبية، ولا ما يحزنون. يكفيك دون هذه المشقة ودفع الأموال الطائلة؛ تجربة مجرب، وخبرة خاصة يعرضها مجهول في رسالة (واتس آبية)، ثم يزكيها بأيمان مغلظة تبدأ بـ: (والله ثم والله ثم والله الذي لا إله إلا هو يا إخوان)..!
حتى مصطلح (الإخوان)؛ يخرج إليك من أقسام وأيمان لم تطلبها، ولم تسع إليها..! فماذا تفعل حيال وصفات مجانية من عيادات (واتسية)، تكتسب ثقتها في نظرك ربما؛ من الحلف والقسم بالله العظيم..؟!
كنت ذات يوم في مركز طبي أنتظر دوري لمقابلة الطبيب؛ حين خرج من عيادته مريض يئن بشدة، ويسحب قدميه وهو مسنود من ابن له وممرض. عند الجلوس إلى الطبيب؛ بدأ حديثه معي عن حالة المريض الذي خرج قبلي من عنده وقال: بأنه يعاني من مضاعفات شديدة في وظائف الكبد والكليتين، نتيجة تناوله وصفات عشبية وجدها على حسابه في (الواتس أب). استرسل الطبيب في ذكر خطورة هذا التعاطي (العبيط) كما قال؛ مع ما يبث وينشر من وصفات دون سند علمي أو معرفي من مختص، وذكر لي حالات كثيرة مرت به، وأنه يستغرب من تهاون بعض الناس في شأن الصحة العامة، وتصديق كل ما يصل إليهم من منشورات في ثوب طبي مجرّب، وهو في معظمه تدليس وكذب، أو اندفاع عن جهل وحسن نية.
الحقيقة.. أنه ما من أحد إلا ويستقبل الكثير من هذه الرسائل والوصفات المجانية كل يوم، إما على جهازه الذكي؛ أو عبر برنامج مذاع أو متلفز يستضيف دعاة ورقاة؛ يقحمون أنفسهم في ميدان ليس لهم، ويصورون ذواتهم على أنهم رقاة ودعاة وأطباء مهرة كذلك، يعالجون الناس بوصفات عشبية، ويدعون أنها تعالج كل مرض كبير أو صغير، وفي هذا تضليل للعامة، وتكسّب غير مشروع، وإضرار بالخلق عظيم.
هناك حالات تمر بالقليل من الناس الذين يستفيدون - ربما - من وصفات معينة، لكن من قال إن كل الناس على حالة واحدة، وأن الدواء الذي ينفع مع أحدهم ينفع مع بقية الناس، وأن آخرين لا يتضررون من وصفة مرت بفلان من الناس فاستفاد منها، حتى تُعمم الوصفة، وتصبح كافية شافية لكل الناس..؟
كيف يقتنع الناس اليوم؛ بأن ما يتلقونه من رسائل ومنشورات ووصفات طبية على وجه خاص؛ ليس كله صحيحًا، وأن ضرره أكبر من نفعه، وأنه يجب أن يكون هو (موضع شك) عند كل المتلقين حتى تثبت حقيقته على أيدي مختصين، وأن مرسلي هذه الوصفات؛ ليسوا أكثر من مجربين مجهولين لا سند لديهم على صحة عروضهم إلا أيمانهم المغلظة، وأقوالهم المزوقة، والتي علم الله مدى صحتها، ومدى صدقهم فيما يقولون..؟!
هل نحن ضحايا مثلنا العربي العريق الذي يقول: (اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب)..! وفي هذه الحالة؛ فإن الضحايا من المجربين لهذه الوصفات (الواتسية)؛ هم الذين ينبغي أن يُسألوا ويُستفتوا قبل غيرهم.