مها محمد الشريف
يبدو أن العالم اليوم يأخذ الحياة في دلالتها الضرورية كشيء متوقع له تأثير سيئ، ينخفض ويرتفع مع الدولار وأسعار النفط والذهب، فيكون المصدر الذي يملأ الخزائن أو يوقف الاقتصاد في البلدان.
والأمر يتعلق فقط بالحجم، سواء من الديون أو المخزون أو الاقتراض. وسنرى لاحقًا ما سيحل بالعالم كنتيجة منطقية للاختلاف والتباين في النواحي الاقتصادية؛ لهذا تبقى التأويلات مطلقة ومتضاربة في الغايات، ومن ثم يمكن تخيل السيناريو الذي تستخدم فيه الولايات المتحدة عضلاتها المالية ضد العالم كله، وعلى وجه الخصوص الدول الصناعية، كالصين على سبيل المثال.
ففي مقال نشرته مجلة تايم حذر مدير مركز الدراسات الجيواقتصادية في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي من تفاقم دين الولايات المتحدة؛ باعتبار أن القوة التي تبنى على الاقتراض ليست قوة على الإطلاق، وما يترتب عليها من تداعيات مؤسفة.
لأسباب اقتصادية معقدة نتساءل على إثرها: هل تسير أمريكا على خطى اليونان وديون منطقة اليورو؟ وهل ما حدث منذ فترة وجيزة من عجز دولة اليونان عن الالتزام بسداد ديونها السيادية سيتكرر بشكل ربما أقوى مع الدولة الأمريكية في قادم الأيام؟
لقد رأينا قبل فترة زمنية وجيزة كيف تحولت الديون السيادية اليونانية إلى أزمة حادة، عصفت بالنظام الاقتصادي والسياسي لهذه الدولة، وأثارت مخاوف متصاعدة حول مستقبل العملة الأوروبية الموحدة، وشوشت على استمرار مشروع الوحدة الأوروبية ذاته. ولذلك قد يكون من الأفضل أن نذكر بعض أسباب تداعيات هذه الأزمة التي تهدد باندلاع أزمة مالية عالمية جديدة، قد تفوق في قسوتها أزمة عام 2008، ولكن بصورة مختلفة قليلاً.
وبمقارنة الديون السيادية مع الناتج القومي للدول نجد أن الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، تعاني مستويات مرتفعة من الدين الحكومي الذي بلغ في العام 2007 (46 %) من إجمالي الناتج القومي للدول المتقدمة مجتمعة، ثم إلى 70 % عام 2011م. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تصل مستوى 80 % من الناتج القومي الإجمالي في العام 2016، كما جاء في بعض التقارير الاقتصادية.
فالاختلاف في التصورات قد يعود إلى طبيعة الأحداث في الشكل لا المضمون، إن صح التشبيه؛ فالحياة اليوم تتشكل حسب المستجدات السياسية والاقتصادية، والاتفاق في ضوء القوانين السائدة. ورغم ارتفاع الدين الحكومي يتفوق اقتصاد الولايات المتحدة، وهيمنته واضحة على الاقتصاد العالمي ضمن رأسمالية حرية الأسواق، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، واليابان.
وبقدوم رجل المال والاقتصاد الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومقاليد السلطة فإن قوام الحياة الاقتصادية ستتغير بالتدرج لوجود علاقة وثيقة بإدارة المال والثروة والأعمال والاقتصاد. وقد أكد محللون من خبراء المال والأعمال أن رجال المصارف يخشون أن يعمد ترامب إلى تعطيل التجارة العالمية، والإضرار بالعلاقات الجيوسياسية، وهو ما ينعكس سلبًا على الأسواق.
وقالت المستشارة المالية كارن شو بترو عبر الجزيرة نت: «هذه هي نوعية الأمور التي يجري التفكير فيها بمكاتب كبار المديرين؛ فالقلق الكبير بشأن ترامب سيطر على فكر الناس».
وكان صندوق النقد الدولي قد أشار إلى هذا «الخطر» الذي يمثله ترامب؛ إذ قال كبير الخبراء الاقتصاديين في الصندوق موريس أوبستفيلد إن انتخاب ترامب سيشكل «تغييرًا جذريًّا في الموقف التقليدي للولايات المتحدة، وخصوصًا حيال السياسة التجارية».
ومع ذلك فإن أكثر من نصف العالم تفاءل بقدوم ترامب على الرغم من وجود ملاحظة مدهشة، مفادها وصوله للرئاسة على حساب الحزب الديمقراطي، ووقوف الرئيس أوباما إلى جانب المرشحة المنافسة محاولاً تأثيره على الشعب الأمريكي، واعتقد أن الفوز بالانتخابات محقق، وكانت رغبته جامحة لوصول هيلاري كلينتون للرئاسة.
لم يتبقَ للسياسة سوى خليفة واحد محل اعتبار وتقدير، هو الاقتصاد الذي يحكم العالم اليوم بلا منازع.