فرحة إتمام العمل لا تعدلها فرحة، والشهادات والجوائز وسائر أنواع التكريم ليست سوى دليل مادي على تفوق معنوي، والإنسان -أي إنسان- مجبول بفطرته على الفرح برؤية الثمار وقد أينعت وبان نضجها، وما أسعد الإنسان حين يرى ثمرة عمله تكبر وتنضج أمام عينيه فيتلقاها الآخرون بالثناء والدعاء، والجوائز بخاصة وسيلة من أهم وسائل التحفيز والتكريم خلال الأطوار المختلفة للمجتمعات ومراحل العمران البشري، وهي تجسد للوفاء في أروع صورة الإنسانية النبيلة التي تترجمها في أزهى معطياتها حقوق المواطنة الصالحة وتنمية الحس الوطني وتأكيد الانتماء والولاء.
وفي كل عام هناك ليلة مشهودة تستحق أن تسجل دقائقها وثوانيها بمداد من ذهب تحتفل فيها هذه الجائزة بأبنائها، مؤكدة أنهم رأس مالها، وأعظم ما تفخر به، كمن يتتبع موقع القطر ليستقي منها ويسقي غيره من فوائدها.
فكان من العدل أن يُشاد بجائزة ماضي الهاجري للتميز، التي رأت النور عام 1430هـ، بموافقة كريمة من لدن صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الشرقية، بما يسهم في تحقيق طموحات قيادتنا الرشيدة للارتقاء بمستوى المواطن وتحفيز مجهوداته ودعمه وتشجيعه وفق أسس علمية ومنهجية مدروسة، لتشمل مجالات الإبداع في أغلب أطياف وفئات الوطن ومجالات التميز، لاسيما المجالات العلمية والوطنية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية؛ تقديراً للنبوغ والاكتساب المعرفي، وتثميناً للسعي الدؤوب في تحصيله.
وهذا العام أعلنت حكومتنا الرشيدة عن (رؤية 2030) و(برنامج التحول الوطني) الذي يمثل المكونات الرئيسة لخطة خمسية (2016-2020م) بحراسة 551 من مؤشرات القياس لأداء الحكومة، وفق أسس علمية تضمن أعلى معايير الجودة، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، باعتباره رافداً مهماً للقطاعات الحكومية، والعناية الفائقة بالتدريب والتأهيل لتنمية القوى البشرية، التي هي أساس البرنامج وعمقه الاستراتيجي، ولأن جائزة ماضي الهاجري للتميز نمت وترعرعت حتى أصبحت من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والمنتجة فأخذت زمام المبادرة، معلنة توجيه رؤيتها ورسالتها وفعالياتها وبرامجها بما يحقق رؤية المملكة وبرنامج التحول الوطني، الذي ركز على أهمية تأهيل المواطن القادر على تحقيق الطموحات وأعباء النهضة الرشيدة المتوخاة، وإعداده الإعداد المناسب لذلك، فأعلنت عن عدد من المنح الجامعية العلمية المتميزة في الداخل، وحرصت على أن تكون جوائزها مؤثرة في تحفيز همم أبنائها وتعزيز قدراتهم وتنويع مجالات الجائزة بما يخدم هذا التوجه المبارك.
وفي يوم الجمعة الرابع من شهر نوفمبر 2016م التأم شمل مجتمع جائزة ماضي الهاجري للتميز في حفلها الثامن ليفرح الأبناء بثمرة تحصيلهم وتفوقهم، وليسعد الآباء بمستوى أبنائهم، وما حققوه من علم وخير، وللاحتفال بزرع بذور يؤمِّل نباتها ونماؤها خيراً يعود نفعه إلى الوطن ونهضته وتحوله نحو الارتقاء والإبداع ولتبقى هذه اللحظات ذكرى طيبة في نفوس الجميع، والذكرى في النفوس كالجذور في الأشجار تنبت وتمتد وتثمر.
ولعل مما يزيد سرورنا أن يقام هذا الحفل برعاية فضيلة الشيخ صالح آل طالب إمام الحرم المكي، وهو رجل يقدر النبوغ والاكتساب المعرفي، ويثمن السعي الدؤوب لتحصيله. فهذا الإنسان بخلقه وتواضعه له قدرة لا تحدها حدود على استثمار القدرات والكوامن الشرية وحفزها، وأنها من أهم أسباب ذلك الود الذي يحمله من تعامل معه أو عرفه حق المعرفة.
الحديث عن هذه الجائزة يطول ويتشعب في مسارات متعددة تستوجب الثناء والامتنان للفكرة وصاحبها، ولا ريب أن هناك عدة معايير يمكن قياس نتائج وآثار الجائزة من خلالها لكنني سوف أقصر حديثي على ما حققته هذه الجائزة المباركة في أرض الواقع من خلال معيار واحد وهو «الآثار الإيجابية لحفلها الختامي كل عام» استنطاقاً وتحليلاً من ثمار هذا الحفل في ثمان دورات شهدتها بل عشت في رحابها، وسأحاول أن أضع أمام القارئ الكريم ما استنتجه في نقاط ليكون أدعى للتركيز والاستيعاب:
1. شهد كل حفل في الدورات الثماني تكريم مئات الفائزين في مختلف المجالات التي عنيت الجائزة بها لأهميتها، ولا ريب أن ذلك كان حافزاً مؤثراً لمن فاز بالجائزة، ولمن شهد حفل توزيع الجوائز، وقد تأكد ذلك بالنظر إلى عدد المرشحين للتكريم في الدورات التالية، كما أن تركيز الجائزة على شمول أكبر عدد من حفظة كتاب الله والسنة النبوية والمتميزين في المراحل الدراسية المتوسط والثانوية كان له أكبر الأثر في تحفيز أبناء القبيلة للتميز والإبداع ليكونوا من المكرمين في حفل التميز السنوي.
كما أن تعيين معالي الشيخ الوالد عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء رئيساً لمجلس الأمناء منذ الدورة السادسة أضاف حافزاً للثقة في الجائزة وقيمتها.
2- شمل التكريم أبناء قبيلة بني هاجر في مختلف دول الخليج العربي في المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان، فالحفل أشبه ما يكون بمجلس مصغر لكنه معبر حقاً عن أواصر الإخاء والتعاون الخليجي، كما عنيت الجائزة بهذا الجانب في تشكيل مجلس أمنائها الذي يضم عدداً من الكفاءات المتميزة من مختلف دول الخليج العربي في كل دورة من دورات المجلس.
3- الشخصيات الراعية للحفل أضفت صبغة ذات أثر جميل بما تحمله من خبرة وعلم وتميز، أذكر من رعاة الحفل: وكيل إمارة المنطقة الشرقية، ومدير عام التعليم بالمنطقة، ومعالي الشيخ الدكتور عبدالله المطلق، ومعالي الشيخ عبدالله بن منيع، ومعالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد ومعالي الشيخ الدكتور سعد الشثري وفضيلة الشيخ صالح آل طالب في الحفل الأخير؛ فهذه القامات الرفيعة علماً ومنزلة لها أثر كبير في إبراز قيمة وأهمية هذه الجائزة وأثرها الوطني.
4- اللقاءات الجانبية في السكن الذي توفره الجائزة لمكرميها وضيوفها من خارج المنطقة، وفي حفل الغداء الترحيبي الذي يقيمه صاحب الجائزة في منزله قبل الحفل ويضم غالباً راعي الحفل والمكرمين من الجائزة وضيوفها؛ إنما هو تأكيد عملي على تقاسم الرؤى والاهتمامات والآمال وأواصر المودة بين أبناء دول الخليج العربية في مجلسهم المصغر.
5- في رسالة الجائزة ورؤيتها وأهدافها المسجلة في نظامها الأساس يبرز الاهتمام بالتحفيز جلياً واضحاً إلى جانب الإعداد والتأهيل وتوفير السبل الممكنة لذلك.
وهنا لابد من التنويه إلى تركيز الجائزة بشكل باهر على مجالات التأثير في الإنسان وهي: أ- التفكير. ب- المشاعر. ج- السلوك الخارجي، فهذه المجالات الثلاثة هي المداخل الصحيحة لتعزيز قدرات الإنسان لأنها تعبر عن التحدي وإبراز الذات وهما الوسيلة المثلى لتحفيز الإمكانات. ولا ريب أن حفل الجائزة السنوي محرك من محركات الإبداع التي تنتهجها الجائزة في استراتيجياتها، وهو من أهم مداخل التعزيز، وقد نبه «ياشوميرا» العالم الإداري الياباني إلى هذا العامل في كتابه «فن التفكير الإبداعي» بقوله: إن الفشل في استغلال الإبداع الكامن في الإنسان سببه عدم المقدرة على إخراج هذه القدرة الكامنة لدى العاملين.
إن من المهم حقاًَ عند الحديث عن تحريك الإبداع التأكيد على عناية الجائزة بتعويد من تكرمهم وتشجعهم على التخطيط الذهني السليم، وعلى حسن ترتيب الأفكار، وبالتالي توليدها وتنميتها.
6- بات جلياً عناية الجائزة بـ»التطبيقات العملية للإبداع والتميز» حيث أعلنت في سنة ماضية في حفلها الختامي عن منح دراسية جامعية للمتميزين، وعن دورات تدريبية على اختبارات القياس وغيرها في أماكن الطلاب المحتاجين لمثل هذه البرامج، ولتؤكد معايشتها لواقع التميز، وإعانتها للتوجهات الوطنية نحو التميز والارتقاء بالإعداد والتأهيل وتفعيل أثر القطاع الخاص في هذا المجال المهم.
7- ركزت الجائزة على قطاع الشباب وإعداده وتأهيله إعداداً علمياً يأخذ بزمام المبادرة والتميز والإبداع، وحرصت في كل جوائزها وبرامجها على هذا الجانب، كما عُنيت بترسيخ مفاهيمه في نفوس الناشئة وذويهم، ودأبت على عقد جلسة لمجلس الأمناء لوضع خريطة مفاهيم واضحة المعايير والقياس لأداء كل برنامج وكل فرع من فروع الجائزة وبرامجها التي يتضمنها الحفل السنوي، وما يلزم لذلك من إضافة أو تعديل أو حذف في ضوء مخرجات الحفل السابق للاجتماع.
8- تسعى الجائزة دوماً إلى عقد اتفاقيات تعاون ومشاركة مع الجهات التربوية والشركات المعنية بما يتعلق بالمجالات التي هي مدار اهتمامها؛ لضمان أفضل نتيجة لأعمالها وضبطها بالضوابط العلمية الصحيحة.
9- لتأكيد أهمية المجتمع المحلي في إثراء مجتمعه، وتحقيق أهداف الجائزة وطموحاتها عملت الجائزة على إنشاء مجالس فرعية في بيشة والرياض وغيرها تابعة لمجلس الأمناء الرئيس ومقره في المنطقة الشرقية؛ لتكون المجالس الفرعية رافداً للمجلس الرئيس من أجل إيصال منتجات وأهداف الجائزة إلى تلك المجتمعات المحلية.
10- تخطط الجائزة لإعلان منتجات جديدة، مثل شمول العنصر النسائي بالتكريم، وإصدارات ثقافية توائم أهدافها ومجالاتها، بعد تهيئة البيئة الإدارية القادرة على التنفيذ واستكمال المتطلبات التنظيمية لذلك.
دعواتي للجائزة وصاحبها ومجلس أمنائها وأمانتها العامة وعلاقاتها العامة بأن يسدد المولى جهودهم ويبارك فيهم لمعانقة طموح الأهداف المرومة.
وبالله التوفيق..
- عضو مجلس أمناء جائزة ماضي الهاجري للتميز
alsmaribrahim@hotmail.com