رمضان جريدي العنزي
نحن السعوديون لنا جسد واحد، وقلب واحد، ونتكلم بلسان عربي واحد، نأكل نفس الطعام الواحد، نسكن بيوت تفاصيلها وهندستها ومداخلها تبدو واحدة، نحن السعوديون نعد طعامنا بالطريقة نفسها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، نأكل من صنف واحد، وأطباقنا متشابهة، وهي القاسم الغذائي المشترك بيننا، وتبقى الكبسة والمرقوق والجريش والصيادية والبرياني والمحشي والمقلوبة والفول والمعصوبة هي الأصناف المفضلة في موائدنا، نشرب الشاي نفسه، والقهوة نفسها، ونتعطر بالبخور نفسه، وبالطريقة نفسها، نتحدث بالفطرة، ولهجتنا عربية دارجة، تشوبها بعض المفردات الخاصة، نرتدي الثياب نفسها بأزياء وألوان وتصاميم موحدة، نمارس في الأفراح نفس التقاليد والأهازيج والعادات المشتركة، نؤدي الطقوس الاجتماعية نفسها، ننحدر من القبائل العربية المتجانسة المتآلفة وفق نسيج اجتماعي عجيب متماسك، لا فرق في تراكيبنا القروية والريفية والمدنية والبدوية، ولا اختلاف عندنا ولا بيننا، كلنا لحمة واحدة، لنا نفس الملامح والسحن، ويكاد يكون اللون العسلي الغامق هو اللون السائد في عيوننا، مناطقنا السكنية فوارقها معدومة، ويتعذر على المرء رصد الفوارق بين قرى محافظة جازان وقرى محافظة رفحاء, أو محافظة الأحساء، ومحافظة جدة، فالفوارق تكاد تكون معدومة، وهكذا الحال بالنسبة للأحياء السكنية في عرعر وطريف والعلا وأبها وجدة والدمام وخميس مشيط ونجران، كلها متناظرة بطريقة تبعث على الدهشة والألفة والتجانس، حتى المدن عندنا تتشابه في كل شيء ابتداءً من الطرق والشوارع، إلى طريقة توزيع الأعمدة الناقلة للطاقة الكهربائية، مروراً بمشاريع الزفلتة والكهرباء والماء، مدن تشبه الزي الأبيض الموحّد لا فرق، حتى إن الكراجات، والمدارس، ومراكز الشرطة، والعيادات الطبية، والمخيمات، وساحات كرة القدم، ومحطات تعبئة الوقود تتشابه إلى حد كبير، وكأنها صنعت في قوالب متماثلة في معامل الألفة والمحبة والتقارب والتآلف، آلفه عجيبة وتكوين عجيب، من المفارقات العجيبة نذكر: أنّ حي النهضة في الرياض يكاد يكون صورة طبق الأصل من حي النهضة في جدة، وحي المنصورة في عرعر يشبه حي المنصورة في الدمام، من حيت التركيبة المتداخلة, والطلاء والأزقة والواجهات واللون، الألفة وتطابق الفسيفساء البشرية الكثيرة والمتنوعة نعمة كبرى، نحن السعوديون نتعايش ونتصاهر في تواد ووئام وتلاحم، ولا تهزمنا بعض السلوكيات الشذة، ولا الانحرافات المقيتة المعدودة، نحن السعوديون أصبحنا وحدة واحدة متكاملة كالبنيان المرصوص، نرفض بصوت واحد كل الحملات المبرمجة ضد لحمتنا وتوحُّدنا وانصهارنا مع بعض، فنتعجب ونضحك من تفاهتهم وخستهم ورداءتهم وغاياتهم الدنيئة وتشدقهم السخيف، الذي يحاولون من خلاله أن يصنِّفونا ويشتتونا إلى أقسام وقبائل وعوائل ومجاميع عرقية وطائفية ومذهبية وعنصرية وفئوية، لكننا نحن السعوديون على يقين تام بقدرتنا على مواجهة التحديات والإساءات بعقول نيرة، وأفكار ناضجة، وسواعد قوية، وأنّ الذين يحاولون أن يتطاولوا علينا، ويشتركوا في حملات التفريق والتمزيق لا ينتمون إلينا البتة، فهؤلاء ليسوا منا، نحن السعوديون لسنا مجتمعاً واهناً، ولا هشاً، ولا رقيقاً، ولا قابلاً للطي، أو الكسر، ومعدننا صلب، لنا تنوع ثقافات ومشارب، ولنا صفة بشرية وجودية منذ الأزل، لدينا نخب ثقافية وعلمية وإدارية متميزة، صوتنا عالٍ، وظلنا مديد، وفعلنا قويم، وشمسنا مطلقاً لا تغيب.