عبد الله باخشوين
.. عندما طلب مني «نادي جازان الأدبي» الموافقة على إعادة طبع مجموعة قصص «الحفلة» اقترحت أن أقدم له كل ما كتبت من قصص.. فوافق مشكورًا.. فكان كتاب: «لا شأن لي بي».. الذي اشترطت أن يكتب مقدمته القاص والأديب الفنان الدؤوب الصديق العتيد الأستاذ عمر طاهر زيلع.. وذلك لأسباب كثيرة أهمها الوفاء له.. فهو الذي قدمني للقارئ عبر تبنية وحماسه الشديد بطباعة مجموعة قصص الحفلة بمواصفات رضي عنها النادي وأسعدتني وقدمني بعدها في عدة مناسبات احتفالية تليق باحتفاء النادي بالكتاب وصاحبه.. واجتهد بشكل شخصي في توزيع الكتاب بطريقة حققت له انتشارًا سريعًا.
أما المقدمة التي كتبها - فأقسم بالله - أنني لم أقرأ منها سوى أول سطرين.. ذلك أنني قبلها كنت قد عاهدت نفسي ألا أقرأ «أي شيء» يكتب عن أي «شيء» أكتبه لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها.. غير أنني كنت قد فهرست قصص «لا شأن لي بي» بشكل عكسي بحيث تكون البداية هي آخر ما كتبت وتنتهي للأقدم.. لكنه طلب مني إعادة فهرستها بشكل «تاريخي» فوافقت على الصيغة التي ظهرت بها وأنا أضحك ساخرًا من نفسي.. لأن «الحفلة - 1985» جاءت مواكبة لمرحلتها وليس لحالتي.. لأنها تواكب تجربتي الحياتية بين «عراق 1976» الذي اصطخب سياسيًا إلى أن انتهى بخوض الحرب مع إيران وعدت بعد أن طلب حزب البعث مغادرتي العراق في نحو عام 1981 وذلك حرصًا على تماسك «الجبهة الداخلية» لأنني أثير نوعًا من «البلبلة» بادعائي أن العراق هو المعتدي في تلك الحرب اللعينة.. وبين عودتي للسعودية.. حيث وجدت من يتهمني بأني أريد تأسيس «خلية» نشطة لحزب البعث وأنا لا أنتمي لأي حزب ولم أنتمي لأي حزب في حياتي فقد وجدت في العراق من يتهمني بأنني أعمل لحساب الاستخبارات الأمريكية.
كانت قصص «الحفلة» فاضحة وكاشفة حرصت على كتابتها بطريقة تتحدى الرقيب والرقابة لتنشر دون أي اعتراض.
ثم بعد توقف طويل صدرت «النغرى» غير بعيدة الشحن النفسي الذي كنت أرصدة بين حياتي في الرياض وأبوعريش وجدة.
أما القصص الأخيرة التي ضمتها المجموعة ومعظمها قصيرة جدًا نشر في زاوية كنت اكتبها لثقافة جريدة الرياض تحت عنوان «ضد القصة».
هذه القصص أو الأقاصيص كانت ساخرة جدًا سقت فيها الكثير من مشاهد الطفولة في سياق لعب كرة القدم وغيرها.. وهي أيضًا تواكب مرحلتها ولا تعبر عن حالتي.. لأنني كنت في حالة ذهول تام من كل الأحداث التي قلبت حياتي رأسًا على عقب دون «فاعل» أو «شاهد» أو «دليل» أحداث تحقق من خلالها مفهومي لـ«سريالية الواقع».. وإن كنت قد كتبت كل ما مضى في جو يصطخب فيه العالم العربي بين تناقضات «الفكر السياسي» بكل أطيافه الأيدلوجية.. فإن قصص «ضد القصة» كتبت في مرحلة أنعتق فيها «الفكر السياسي» من هذا الهم فقد سقطت الماركسية وتبعها ما تبعها حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من «حالة سريالية».. فجاءت كل قصصي القديمة والجديدة.. لا تواكب إلا «نفسها» فيما أقف منها موقف المتفرج.. ووحدها رواية «سلطان سلطانة» التي أحببتها لأنني كتبتها في عمق أزمتي الخاصة كمتنفس حقيقي وحيد.
ما دفعني لكتابة كل هذا «الخرط» الذي تقدم.. هو حالتنا المعاصرة في التعامل مع الثقافة.. فبعد أن كانت السلطات الرسمية للدول تتعامل مع «الثقافة» على أنها عدوها الأساسي الرديف للسياسي «المؤدلج» لأنها تخدم الفكر «المتطرف» الذي ينادي به.. وكان من المستحيل أن تجد لها منبرًا أو متنفسًا - في أي بلد عربي - إلا لخدمة هدف سياسي يناسب توجهات الدولة التي دعت له ولا نستثني سوى مهرجان الجنادرية في هذه اللعبة.
غير أننا الآن أصبحنا نرى احتفالات بـ«عواصم الثقافة» في بلاد ضد الثقافة.. وأصبحنا نرى الاحتفال بالقراءة في بلاد تنتشر فيها الأمية ومصادرة الكتب.. ونرى الأجيال الجديدة تتحرك في بلادنا لتقدم المسرح والسينما والثقافة والفنون منعتقه من تلك «العقد» المستحكمة التي اعتادت أن تشير لكل ما له علاقة بالثقافي بالاتهام ليس بـ«أصبح واحد» لكن بـ«التسعة الباقية» أما الأصبع «العاشر» فهو في حوزة حفيدتي «لجين» تشير به إلى الأعلى لتقول: «جدي كذا».. وتقلبه إلى الأسفل بغضب وهي تقول: «عمي حكم كذا».. وذلك في اختصارها لكل الكلام.