كوثر الأربش
قبل أن نفكِّر في دور الصحافة في تعزيز الهوية الخليجية، لا بد من طرح سؤال مهم عن الهوية القومية الوطنية، وهي - كما أعتقد - التي تواجه تحديات الإذابة بسبب الانفتاح الهائل على الثقافات الأخرى مع ثورة الاتصالات والمعلومات، إضافة للتغيرات الاقتصادية والسياسية المذهلة التي مرت على المنطقة عمومًا منذ الطفرة للآن. الهوية الخليجية، أين هي؟ قبل أن نقع في الخطأ المنهجي في فهم الهوية، أعني الرؤية الثباتية المستقرة للهوية، وهي نظرة يشترك فيها العرب كما في كتاب الهوية الخليجية للدكتور مصطفى حجازي. فالتغير والتحول أحد أهم ضرورات استمرار الهوية. من خلال هذا المنظور تصبح الهوية ليست هوية الأمجاد والسكون والعزلة، بل هي هوية الإنجاز والانفتاح والنماء والحركة، أي هناك هوية ذاتية، وهوية دنية، وهوية قومية وعربية، كل منها تتداخل بشكل ديناميكي متبادل. أيضًا من خواص الهوية أن تكون مصدر اعتزاز وفخر للشعوب المنتمية لحضارة ما. بهذا المفهوم يمكنني أن أقول وبالرغم مما يمر به العرب عمومًا من أزمة هوية، إلا أن هناك سمات مشتركة بين الخليجيين، يمكن لها أن تحدد الهوية، وتميزها عن العالم، سواء في اللباس واللغة ونمط الحياة والأمثال والحكم والعادات.. هذه البنى التقليدية موجودة فعلاً.
عودة لدور الصحافة في إذابة الهوية الخليجية. إذا تحدثنا عن الصحافة فنحن نتحدث عن فترة زمنية طويلة نسبيا، أي منذ نهاية الثلاثينيات، وإصدار أول صحيفة كويتية (صحيفة الكويت 1939) وجريدة البحرين (1939)، إلى يومنا الحالي. ولا يمكن أن نجد رصدًا منهجيًّا لدور الصحافة في كل هذا الزمن، لكن يمكنني أن أقول إجمالاً إن هناك تصاعدًا وتنازلاً وفق الحالة العامة للهوية والتماسك الخليجي. في الكتاب الشهير (المتلاعبون بالعقول)، وهو مترجم من عالم المعرفة الكويتية، ذكر أن الإعلام الورقي هو أحد الأسلحة المهمة في إحداث التغيرات العميقة على مستوى الهوية الاجتماعية والأخلاقية.
في ظني، إن المشكلة كانت في صفحات الرأي الخليجية؛ إذ لم ينجح كتّاب الرأي بعلاج مشكلات الصراع بين الحداثة والتقليدية، أو بين الاستقلالية والأصالة، سواء على المستوى الاصطلاحي أو المعالجة الاجتماعية، بل قام أيضًا بعض الكتّاب ربما بحسن ظن كتعزيز العروبة، أو ضرورة التمدن والتقدم الاجتماعي، وحاولوا بحكم ثقافتهم تمرير بعض الأفكار التي توصف بالمستوردة محاولة منهم لتكوين وعي جديد لدى القارئ إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، بل جعلت كثيرًا من المفاهيم الإسلامية المشروعة توصف بأنها غربية، بل حولت بعض أفراد المجتمع إلى قطع فسيفساء، تتناحر مع بعضها وفق تصنيفات فكرية، تحد من الأفكار الشمولية المهمة، كالوطنية مثلاً.