أ.د.عثمان بن صالح العامر
ليس جزماً أن التقدم التقني يولّد معه ويصحبه تباعاً التطور البشري والحضارة الإنسانية والأمن والأمان المجتمعي، بل ربما يحدث العكس، ومثالٌ على ذلك ما نعرفه جميعاً من أنّ أبواب الجريمة صارت - مع الثورة التي نعيشها في عالمنا الافتراضي وسيادة ثقافة «التكنو»- مشرّعة في مجتمعاتنا المحلية بشكل لم يسبق له مثيل، بل تنوَّعت الجرائم وتعدَّدت أساليبها، وكثرت سبل الشياطين المفتوحة أمام بني البشر الذين أصبح بعضهم يزيّن للبعض الآخر ما يخرق سياج القيم، ويكسر قواعد حياتنا المحلية التي كنا نعيشها في بيئتنا البسيطة المتناغمة المنسجمة مع ذاتها، حتى صرنا نسمع عن مشاهد التمرد والثورة في وجه المسلَّمات والقناعات والقيم والسلوكيات المتوارثة في بلادنا المباركة جيلاً إثر جيل، بدءًا من التمرد على الخجل والحياء، وانتهاءً بالثورة على المقدّس الديني والأنظمة السياسية والروابط الأسرية، مروراً بالتنصّل من الأخلاق العامة والذوق المجتمعي، الأمر الذي جعل الجريمة - للأسف الشديد - حاضرة في ذهنية المتعاطي للإنترنت، الشغوف بالتواصل والاتصال مع الكل دون اكتراث بالعواقب والنتائج التي قد تحدث له شخصياً فتهز الكيان الأسري من قواعده لا سمح الله.
وإزاء ذلك، وضماناً لسلامة المجتمع، وحماية لأفراده، ووقاية من الجريمة بكل أشكالها التقليدية والحديثة، سنَّت بلادنا المباركة أنظمة حضارية للتعامل مع هذا المعطى الحديث، وفرضت - في ذات الوقت - عقوبات صارمة على الجرائم الإلكترونية التي قد تقترف من هذا وذاك، سواء أكانت من باب العنف اللفظي أم التحرّش والابتزاز، أو استغلال الصغار والتغرير بهم فكرياً وجنسياً من قِبل معرفات داخلية وخارجية، شخصية وتنظيمية، جماعات وحكومات، و... أو التصوير الفاضح، أو الإرسال لما يرد دون معرفة بالحمولة الدلالية لهذا المرسل، أو التعرض للمقدّس، أو النَّيل من الرموز، أو الاستهزاء، أو التسخيف والإسفاف أو ... وبدأ تطبيق هذه العقوبات المنصوص عليها في النظام بالفعل بشكل يوجب على الجميع الحذر، وتنبيه الصغار الذين قد يقعون في الجرم وهم لا يعلمون، أو قد تدفعهم المغامرة - وربما التحدي من رفقاء السوء- لاختراق مواقع رسمية، أو التنصّت والتجسس على أشخاص، وتهكير حساباتهم، أو تصوير أحد ما دون علمه ونشر صوره، أو عمل إعادة تغريد (ريتويت) لتغريدة مسيئة، أو الدخول على مواقع مشبوهة، والتواصل مع أناس مجهولين، أو تحميل مقاطع وأفلام لا تليق وإرسالها، سواء في تويتر أو الفيس بك أو الواتس أب أو غير ذلك مما قد يوقعهم تحت المساءلة القانونية من قبل الإنتربول العالمي تحت غطاء الملكية الفكرية والتعدي على حقوق الغير.
إن من الأهمية اليوم إحياء رقابة الضمير لدى أبنائنا، وبناء القناعات القلبية لدى الجيل الجديد، وتوعيتهم وتثقيفهم بأن هذه التقنية يجب أن توظَّف من قِبلهم توظيفاً إيجابياً صحيحاً حتى لا تجرّ عليهم الويلات، وتنبيههم أن ما يكتبه الواحد منهم مسجل عند الله أولاً وسيحاسبه سبحانه عليه، ثم هو محفوظ عنه في الشبكة العنكبوتية ويمكن الرجوع إليه متى احتاج الأمر إلى ذلك، فهو باختصار سيرته الذاتية التي هي له أو عليه، إذ ليس بالإمكان - مهما كانت المراقبة والمتابعة من قِبل الوالدين دقيقة ودائمة - معرفة ما يقترفه أبناؤهم من سلوكيات، فالابن أو البنت ينام وتنام وفي يده ويدها الجوال أو الأيباد، ويستيقظ وأول ما يفتح عينيه على هذا الجهاز الذي صار من أهم الضروريات في حياة إنسان اليوم!!!
إن هذا الموضوع من الأهمية بمكان، فقد يكون من تبعات سلوك ما في لحظة طائشة وغير واعية بالعواقب سجن وغرامة، ولك أن تتصور ما يتبع ذلك - لا سمح الله- من آثار موجعة ومقلقة ومصيرية، تنعكس سلباً على مستقبل هذا الشاب أو تلك الفتاة والأسرة التي ينتميان لها، بل المجتمع الصغير الذي يعيش فيه، حفظ الله ذرياتنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، دمتم بود والسلام.