د.ثريا العريض
يرى البعض أن قضية معاناة المرأة تتمحور في تصاعد حالات العنوسة ونسب الطلاق، ويرون السبب غلاء المهور ورفض المرأة القيام بواجبها.
ولكن لو سألنا المرأة الواعية: ما قضيتها الأولى؟ فالجواب غالباً أنها تعاني عدم نيلها حقوقها الشرعية والإنسانية الكاملة.
في الجدل القائم حول الولاية على المرأة, هناك التباس عام في ما تعنيه القوامة والولاية، كلاهما في الأصل تكليف يفرض على قريب يسند إليه شرعاً تقديم العون لقريبة أنثى, ولكن أنانية الأفراد تجعل الوضع يتغير والعلاقة تهترئ إلى ابتزاز للقريبة وحرمانها من حقوقها الشرعية في تقرير مصيرها وامتلاك مالها. وبهذا التشويه في المعنى أمست حياة كثير من الإناث جحيماً تحت رحمة الولي المتحكم في ما ليس له عليه سلطان شرعي. وهو إثم وجرم لا ينحدر إليه الجميع، فكثير من الآباء والإخوة والأزواج يطبقون الشرع دون تسخير فرصة موقع الولاية لخدمة أهوائهم الخاصة.
مؤسف أن لم يصاحب رقي وعي البعض قدرة تغيير كل المجتمع فعلاً, لأن سلطة العرف بتكرار ملزم تظل أقوى من الفرد ولا يجابها إلا الإلزام بقوة القانون.
قضية الولاية على المرأة مصيرية بالنسبة لملايين النساء ممن يستضعفهن أقارب لا يخافون الله في حقوقهن. ولابد من وقفة من جانب القانون إلى جانبها بناء على المفهوم الشرعي وليس العرفي.
المطالبة بالحقوق ليست ترفاً بل واجب. وسبق أن أرسلت مجموعة من المثقفات الواعيات رسالة لمجلس الشورى يطالبن فيها بالنظر في أوضاع المرأة والأعراف السائدة التي تمنع بعضهن من إكمال الدراسة أو الابتعاث أو السفر أو العمل أو حتى اختيار رفيق الحياة. مطالبهن واضحة ومشروعة سواء نظرت إليها في إطار إنساني حقوقي أو اجتماعي أو اقتصادي. وليست ضد «الشرع» كما يحاول البعض أن يصورها, ولا هي مؤامرة تغريبية. الواقع الواضح أن التطور المتسارع الذي نعايشه الآن يتطلب وقفة منطقية جادة مع معتادات المجتمع في التعامل مع حقوق الإناث لكي نتخطى التضارب والتناقض والمعاناة.
وعند ولاية الأمر والقوامة تلتبس المنطلقات والتعريفات، فحين يراها البعض تكليفاً, ويطالب البعض أن نضعها في إطار العلاقات المجتمعية القابلة للتطويع بحسب ما تتطلبه ظروف الأوضاع الخاصة بأسرة بعينها في الزمن الراهن, يراها البعض الآخر في إطار عام ثابت يحرم الأنثى من قدرة الفعالية والشعور بالاستقرار والأمن الفردي والرضى. مع الأسف يعيدها البعض بسطحية إلى فهم مغلوط للمقاصد الشرعية, ويمنحها صفة الثوابت التي تمنع عنها المرونة في التعامل مع التفاصيل. ولا يرون أنهم بهذه الرؤية يسلبون من ديننا السمح أهم صفاته وهي المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان, وقدرة التعامل مع الضروريات وموازنة المحظورات في أطر الأوضاع الخاصة وليس الفرضيات العامة.
وهذا التضارب بين رؤيتين إحداهما منفتحة والأخرى منغلقة لأسباب متعددة, أمسى واضحاً بعد التغير الملموس الذي جاء به تطور مجتمع اليوم. وهو تضارب يسبب إشكالية مجتمعية متصاعدة التداعيات السلبية.
قضية المرأة ببساطة هي أن تملك ذاتها ولابد من تعديل الممارسة.