خالد بن حمد المالك
مشكلة المؤسسات الصحفية لا تقتصر على تدني حجم الإعلانات في الصحف التي تصدر عنها، وإنما هناك مشكلات أخرى مهمة تحد من استمرار الصحف الورقية بذات الجودة والمستوى والانتشار، لتلقي هي الأخرى إلى جانب تراجع حجم الإعلان بظلال من الشك حول مستقبلها القريب والبعيد معاً، وما قد يليه من قرارات للاستغناء عن عدد من العاملين في المؤسسات الصحفية بتأثير من تدني حجم الإيرادات.
* *
فقد صدرت بعض القرارات المثبطة من جانب واحد، ودون تنسيق مع المؤسسات الصحفية، أبرزها قيام الخطوط السعودية برفع سعر نقل الصحف عبر أسطولها الجوي إلى مستويات عالية، مع أن كميات الصحف تنقل إلى مدن المملكة ضمن جدول رحلات السعودية، وليس بحسب الأوقات المناسبة لتوزيع الصحف، ودون مراعاة لظروف الصحف فيما لو تأخرت بضع دقائق عن الموعد المحدد لقبول شحنتها، أي أن الخطوط السعودية هي التي تقرّر منفردة مواعيد استلام الصحف وتكاليف نقلها مالياً.
* *
الخطوط السعودية أيضاً تتجه نحو إصدار قرار مضر بالصحف يتضمن بأن يقتصر تجهيز رحلاتها من الصحف على ما يصدر من صحف في مكان إقلاع الطائرات فقط وليس في جميع محطات الطائرات في مطارات المملكة، كما كان الأمر، فالجزيرة والرياض مثلاً تنقلان في الرحلات التي تقلع من مطار الملك خالد فقط، وصحيفة اليوم يقتصر نقلها على الطائرات التي تقلع من مطار الملك فهد، بينما عكاظ والمدينة والبلاد ومكة، تخص بها فقط الطائرات التي تقلع من مطار الملك عبدالعزيز وهكذا.
* *
وزارة التجارة والاستثمار من جانبها هي الأخرى سمحت للشركات المساهمة والبنوك بعدم نشر إعلاناتها ربع السنوية في الصحف، والاكتفاء بنشرها في تداول، وبذلك حُرمت الصحف من مورد مادي - وإن كان محدوداً- كان يساعدها نسبياً في التغلب على ما يمكن أن يثيره نقص الإعلانات من مخاوف على مستقبلها.
* *
أي أن الصحف السعودية أمام تحديات كثيرة بفعل انخفاض حجم الإعلان فيها، وبسبب قرارات تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر تقديراً لدور الصحف في خدمة الوطن والمواطن، وعلى وزارة الثقافة والإعلام والمؤسسات الصحفية برؤساء مجالس إداراتها ومديريها العموميين ورؤساء تحرير صحفها أن تتحرك قبل فوات الأوان لدراسة المشكلة، والبحث عن معالجات لأسباب هذه الأزمات، والإمكانات المتاحة لتحقيق ذلك.
* *
وبعد كل هذا أتساءل: لماذا لا يكون نقل الصحف بطائرات الخطوط السعودية مقابل إعلانات للخطوط السعودية في الصحف، على شكل مقايضة، ومثلها كثير من الأجهزة الحكومية ذات الصفة التجارية كأرامكو وسابك وشركات الاتصالات والبنوك والشركات المساهمة الأخرى وغيرها، لماذا لا تعلن هذه في الصحف بدلاً من الاكتفاء في نشر نشاطاتها في الصحف على شكل أخبار مجانية، ولماذا لا تقدم الدولة دعماً للصحف مقابل ما تقدمه من خدمات تصب في مصلحة الوطن؟
* *
هذه بعض هموم صحفية، بحسب قربي من المؤسسات الصحفية من جهة، ورصدي لها من أفواه بعض مسؤولي الصحف من جهة أخرى، وهي انطباعات لعلها تحفّز على إطلاق مشروع أو خارطة طريق للتفاهمات بين المؤسسات الصحفية على ما يمكن أن يحميها من أي انتكاسات كبيرة ومضرة بمستقبلها، لأن الحال إن بقي على ما هو عليه حتى مع استمرار الترشيد فإن القادم سيكون نحو الأسوأ والأخطر.