د.فوزية أبو خالد
لمحة من ملامح الأطروحة
في مطلع هذه الكلمة القصيرة التي أود أن أستهل بها هذا اللقاء المبارك لمناقشة أطروحة الطالبة شيماء بنت أحمد علي خال حمدي بعنوانها المفعم بإيحاءات الأمل والمشتق من أهم أسس السيسيولجية الاجتماعية وهي سيسيولوجيا القوى الاجتماعية في علاقتها بالعمران البشري، وذلك بتجسيد النخبة المثقفة كرمز للقوى الاجتماعية من ناحية وبتجسيد التغير الاجتماعي كرمز للعمران.
وهذا يقودني مباشرة إلى النقطة الأولى لهذه الكلمة وهي تجربة الإشراف على أطروحة الطالبة شيماء حمدي . فقد تميزت التجربة بالنسبة لي بأجمل عنصرين من عناصر التعليم الأكاديمي المعاصر وهما التعليم بالاكتشاف والتعليم بالمشاركة. فخلف عفوية شيماء وروحها الطفولية صبية صلبة في صباباتها المعرفية قوية الشكيمة في مواجهة متطلبات البحث المبرحة, شديدة الشغف بالأسئلة وبما تفرضه الأسئلة على الطلاب من ضرائب العمل الجاد. كما أن خلف محيا شيماء الحيي السموح شخصية حالمة وحليمة في نفس الوقت، فهي تحلم بعمل بحثي بكر وهي مستعدة لذلك بحلم وصبر لا ينفدان. وهي في هذا وإن كانت ككل روح باحثة تستنكف الانقياد الاستسلامي والطاعة العمياء إلا أنها ككل طالب علم جاد لا تستكبر عن التعلم والنقد، بل إنها تملك الشجاعة لنقد نفسها وليس فقط تقبل النقد الموجه لنواحي القصور في عملها.
النقطة الثانية هي موضوع الأطروحة على المستوى النظري وعلى المستوى الميداني للبحث. فهذه الأطروحة تشرع باباً ظل باستثناءات قليلة باباً غير مطروق إلا على خجل سواء في الحديث عن المثقفين كقوة عضوية فاعلة بتعبير جرامشي أو في الحديث عن التغير الاجتماعي باعتباره ليس منتجا محتكرا على الفضاء السياسي وحده أو على الفضاء الاقتصادي وحده، بل باعتباره فعلاً اجتماعياً مشتركاً يلعب المثقفون فيه دوراً لا يقل أهمية عن دور السياسي والاقتصادي والمشرع والتكنوقراطي هذا على مستوى نظري. أما على المستوى الميداني فنادرا ما عمل البحث العلمي تحديدا على الدخول إلى حياض المثقف السعودي، خاصة وأنه ظل مخفورا بالسمت السياسي و بسطوة الأحادية مقابل الحضور الظلي المتذبذب بين مد وجزر لتعددية النخبة المثقفة مع التستر ليس على الصراعات الطبيعية فيما بين بعضها البعض وحسب بل وأيضاً فيما بين الثقافي والرسمي.
ويبقى هناك تحد آخر من تحديات هذه الأطروحة خاضته الطالبة بجدارة وبروح محاربة وهو ما يتمثل في تحدي التطبيق الميداني للمنهج.
فلم يكن سهلاً الجمع في أطروحة واحدة بين المنهج التاريخي الذي يتطلب تحليلا كيفيا لموضوع النخبة والتغير الاجتماعي وبين المنهج الاحصائي الذي يقوم على التحليل الكمي للمعلومات الميدانية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى لم يكن سهلا في ظروف مجتمعنا أن تقوم باحثة فتاة بمهمة التصدي للوصول لمئة مبحوث من المثقفين السعوديين نسبة الذكور منهم تصل إلى 62% مع ملاحظة تعدد مشاربهم ومواقفهم وما لقيته الباحثة من تحفظ البعض على التعاون، إما بسبب من هويتها كأنثى أو بسبب استعلاء أو تشكيك أو تعارض مع طبيعة موضوع الأطروحة أو تفضيل للظل أو لمجرد المزاجية كما هي الحال عند الكثير من المثقفين مع الأسف.
ولابد هنا وإن جنحت للتبسيط أن أشير لدهشتي الشديدة من المسافة العميقة والبعيدة معاً التي قطعتها طالبتي شيماء في الإبحار في العينة البشرية لموضوع بحثها وفي الحفر في منتجهم الثقافي. فالطالبة التي دخلت تحدي كتابة اطروحة عن النخبة المثقفة ودورها في التغير الاجتماعي وهي لا تعرف من مثقفي الساحة المحلية ما يزيد على عدد أصابع اليدين ممن كانت تقرأ لهم وهي بعد على مقاعد الدراسة الجامعية قد تحولت إلى شاهد عيان على النخبة المثقفة عبر المرحلة التاريخية المعنية في الأطروحة تاريخياً وإلى اليوم، وذلك من خلال القراءة المعمقة والمتابعة المنهجية الدقيقة للنخبة السعودية المثقفة ولإنتاجها الثقافي من المقالات إلى الكتب ومن الكتابة الأدبية الصرفة إلى الكتابة الموضوعية.
وقد كان بإمكان الباحثة أن تكتفي بالاستبيان كمصدر مقنن من مصادر معلوماتها الميدانية للبحث إلا أن روحها البحاثة المشحونة بطاقات التوق المعرفي دفعتها للمزيد من المتابعة التي أشعلت جذوة غوايتها البحثية تعدد منافذ الاطلاع والمتابعة المتاحة لجيل اليوم. ومن هنا جاء توظيف الطالبة لاداة الملاحظة بالمتابعة المشتقة من اداة الملاحظة بالمشاركة, كأداة إضافية على أداة الاستبيان. فلم يكن علميا أن تفتح وسائل التواصل الاجتماعي والثورة التقنية أبواب هذا المنجم المعرفي على مصراعيه بسقف غير مسبوق لحرية الكلمة لتطل منه النخبة السعودية المثقفة بكل أطيافها ومركبها المحافظ والتجديدي الا أن يمتلك الباحث الجرأة العلمية كما يملك المثقف الجرأة الأدبية لمزيد من الغوص في سؤال النخبة المثقفة والتغير الاجتماعي بالمجتمع السعودي ولمزيد من التحليل والتشخيص الموضوعي للوصول إلى إجابة شافية أو على الأقل لتعليق الجرس والإشارة إلى بوصلة للرؤية وللعمل.
كلمة وفاء
وليس اخير وقفة تقدير لسعادة الدكتور طارق الريس ود.حميد الشايجي تحديداً على تيسيرهما أمر هذه المناقشة بروح أكاديمية شفافة. الشكر موصول لرئيس قسم الدراسات الاجتماعية د. عبدالمحسن السيف ووكيلة القسم د. هند العتيبي.
والشكر للدكتور خالد الرديعان على سعة أفقه وعلميته الفائقة فقد كانت معرفتي العملية به تتويجاً لتاريخي الطويل في القسم دون معرفة أي من الزملاء في تجربة عمل. وشكرا للدكتور محمد نجيب بوطالب الذي سبقته سمعته الأكاديمية العالية من تونس إلى السعودية فكان معينا ومُعينا للزملاء والطلاب معا.. ويبقى دعاء سخي للدكتورة لطيفة العبداللطيف على مساندة النساء ومساهمتها الغالية في مراجعة الرسالة بعد خروجها من لجنة الملاحظات الأمنية إبان سفري للعلاج الفصل الدراسي الماضي.
وشكراً لوالدة شيماء ووالدها السيد أحمد على نعم التربية وعلى نعم المؤازرة منذ كانت شيماء طفلة صغيرة إلى بلوغها بفضل جهدهما وحبهما للعلم ناصية هذه المنصة الاكاديمية الرفيعة. شكراً لشيماء على أن صارت فخراً لأهلها ووطنها وزهواً لي شخصياً.