أمل بنت فهد
في قاع الحزن.. ووسط أعاصير المصائب.. وعند الفقد.. وحين الخسارة.. غالباً يقال: اصبر.. ويتبعها قصص شتى عن الصابرين والصابرات.. والصبر والتصبر.. بطولات تترا حازتها قوافل الصابرين وقصصهم الخيالية.
لكن أحداً لم يخبر أو يشرح ما هو هذا الصبر المطلوب!.. كيف يكون؟ من أين تبدأ به؟.. وكيف تعيش فيه ومعه!.. أين يقع؟.. وكيف تحصل عليه؟
فإن كان المقصود بالصبر أن تنتظر انتهاء الأحداث من تلقاء نفسها.. فهذا هراء.. وإن كان المقصود تمرين العضلات العاطفية على تلقي لكمات الخذلان.. فهو دون جدوى.. كمن يبني جسداً قوياً ضخماً ليتلقى الضرب دون حراك.
وإن كان الصبر هو تقبل الحال والتعايش مع الألم أياً كان مصدره.. فهذا اسمه استسلام وعجز.. وكل تلك التساؤلات أعلاه تقول إن الصبر بهذا المعنى لا يؤدي إلى طريق ولا يفضي إلى باب.. والحال أن لا شيء سيتغير.. عدا التعود على الوجع.. والاستكانة للظلم والظالم.. والتحسر على سلب حقك.. حتى تصل لأخطر مرحلة.. من مراحل الصبر المزيف.. مرحلة تقبل الوضع كما هو.. كأن الواقع هو المنتهى الذي ليس بعده بداية جديدة.
ثقافة الصبر المزيف فيها الكثير من احتقار قوة الإنسان.. فيها تخدير لعبقرية تعددية الخيارات.. وفيها تحجيم لقدرة العقل على إيجاد طرق فرعية.. وجسور تغير خارطة الوضع الراهن.
الصبر الحقيقي.. هو استراحة محارب.. وتجديد لخطته.. وتغيير لتكتيك المرحلة.. إنه حراك حكيم مدروس.. وليس انتظار لمعجزة تقلب الأماكن والأدوار.. ذلك لا يحدث إلا في الأفلام وقصص الأطفال.. أما الحياة الواقعية فإنها لا تتغير دون أن تتحرك.. مهما كانت الحركة بسيطة.. فإنها تعطي نتائج.
الصبر الحقيقي.. أن تكون عندك خطة.. ونفس طويل لتتبع النتائج وإن طالت فترة الترقب.. لأنك تنتظر أمراً سيحدث.. وتعرف أنه سيحدث.. ويختلف جذرياً عن الانتظار لمجرد الانتظار.. لمجرد أنك عاجز.. انتظار يشي بقلة الحيلة.
الصبر الحقيقي أن يكون لك أكثر من خطة.. أكثر من حل.. أكثر من خطوة.. أمل توجده من عمق الألم وتحفر الطريق من أجل لقائه.. وليس أمل من وحي أحلام اليقظة.. تتخيل نفسك في النعيم.. وأنت تتقلب في الجحيم.
الصبر الحقيقي.. إنذار لعثراتك بأنك ستقوم من جديد.. وتعهد بالشفاء.. والتزام بالحياة.. الصبر الحقيقي أن تحزن وفي نيتك الخروج من حزنك.. أن تتألم وفي ضميرك ألف وعد لإنهاء وجعك.. الصبر الحقيقي أن تحب نفسك فعلاً وتخرجها من ورطتها.. كما «تفزع» لغيرك وأكثر.
فمن يعرف صابراً حقيقياً؟