علي الصراف
لن تجد أدناه أكثر من «مجرد أسئلة»، يتذرع المرء بطرحها من أجل التأمل، وربما من أجل ألا يفرض جواباً.
يقول العالم كله تقريباً: «إنه لا يوجد حل عسكري للأزمة في سوريا»، ولكن هل يوجد حل سياسي؟ فلننظر إلى المسألة من الداخل.
إذا كان الحل السياسي يتطلب تقديم تنازلات جدية لضمان حقوق وحريات الناس، فهل من طبيعة هذا النظام أن يقدم تنازلات لشعبه؟ هل سبق له أن قدم تنازلات على امتداد نصف قرن؟ ومن قبل أن يدخل الإرهاب في المعادلة، ماذا فعل عندما أجرى حواراً، مع معارضين من اختياره؟ هل انتهى بقبول أي حلول معهم؟ أم انتهى إلى قمعهم؟
وهل العمليات العسكرية الجارية بتواتر متواصل، توحي بأن الحل السياسي يشكل قناعة حقيقية له؟ أم أنها تعبير عن سعي لإملاء واقعٍ مضاد؟
هل أجهزة مخابراته سترضى بأي شيء يحد من قدرتها على التسلط على رقاب الناس؟
وماذا سيفعل نظام الحزب الواحد إذا كان مطلوباً منه أن يرضى بتعددية سياسية حقيقية؟
سلطةٌ عاشت على القناعة بأنها تمثل الحقيقة المطلقة، هل سترضى بأن تتعايش مع مَنْ يقول لها إن حقيقتها مجرد تضليل؟ وإن «مقاومتها وممانعتها» هراء فاضح؟ وإنها لم تحقق من شعاراتها إلا العكس؟ وإنها لم تمارس إلا ظلماً وتعديات وانتهاكات، بأغطية كاذبة؟
هل يمكن لهذا النظام أن يتحاور مع أي معارض، ولو واحد، يطالب بضمانات لإقامة نظام يحترم قيم العدل والقانون ولا يمارس التعذيب، ولا يجيز لأجهزته اعتقال الناس على الشبهات؟
وماذا سيبقى من هذا النظام إذا رضي بتوفير ضمانات كهذه؟ ألن يجدها تهديدًا لوجوده؟
وهل سوف يسمح بأن تجرى انتخابات نزيهة فعلاً، وعادلة فعلاً، لاختيار برلمان حر يتصرف أعضاؤه كنواب للشعب وليس كتابعين لجهازٍ ما من أجهزة الأمن والمخابرات؟
وإذا كان «جنيف 1» قد حدد أسسا للحل، حظيت بموافقات دولية وإقليمية ومحلية واسعة، فما الذي منع النظام من الأخذ بها، حتى ولو مع معارضين من اختياره هو؟ ولماذا اختار أن يواصل مساعيه لسحق الجميع؟
وإذا نظرنا إلى حجم الدمار الهائل وعمليات التهجير الواسعة النطاق، والتي تتخذ طابعًا منهجيًا، فهل يمكن لأي إنسان أن يستنتج منها رغبة بحل سياسي؟ أم أنها خيار مدروس لسحقٍ وجودي (وليس سياسيًا فقط) لكل بلدة ومحافظة نشأت فيها معارضة؟
وانظر إلى المسألة من الخارج.
فهل ترى أن الذين يرسلون طائراتهم وأسلحتهم ومليشياتهم لقصف المستشفيات وضرب قوافل الإغاثة يميلون إلى السلام فعلاً؟
ألم يتضح أن لعبة المفاوضات الماراثونية بين كيري ولافروف، كانت لعبة مماطلات، بينما يتم فرض شيء آخر على الأرض؟ وإذا كانت كذلك، فأي نوع من الحل يمكن لهذه اللعبة أن تقترح؟
وإذا كانت إيران تعد أن الحرب حربها، وأن خسارتها سوف تهدد بقاء احتلالها لعواصم عربية أخرى، فهل يمكنها أن تقبل بأي حل أقل من بقاء النظام نفسه، (لكي يمارس هراء «المقاومة والممانعة» طبعاً)؟
وإذا بدا وكأن الخراب فاحش وسفك الدماء هائل، فهل في ذلك ما يهم بالنسبة لنظام الولي اللا فقيه الذي دفع حلفاءه في العراق إلى فعل كل ما هو فظيع ووحشي وفاحش على امتداد 13 عاماً متواصلة؟
ثم ألم تنطو كل غزوات إيران، عبر التاريخ، على المقدار نفسه من التخريب والقتل والتهجير؟
بل ومنذ متى كان قتل العرب وتدمير ممتلكاتهم أمراً مقلقاً في نفوس هؤلاء وأجدادهم، وأجداد أجدادهم؟
ألم يكن سفك دماء المسلمين أمراً بالغ المسرة أصلاً، ونوعاً من شفاء الصدر من غلٍ مجوسي قديم؟
فإذا كان ذلك هو الحال، كما تجسده الوقائع، فمن أين سيأتي الحل السياسي؟ وبالله، ماذا سيكون؟