محمد سليمان العنقري
وافق مجلس الوزراء الموقر خلال اجتماعه الأخير على تخصيص الأندية الرياضية التي تشارك في بطولة الدوري السعودي لأندية الدرجة الممتازة لكرة القدم (دوري المحترفين)، وهو القرار المنتظر منذ سنوات بعد فترة طويلة من الانتقال لمرحلة الاحتراف الرياضي بالمملكة. وسبق هذا القرار تأسيس صندوق لدعم الرياضة قبل حوالي أسبوع ليشكل الذراع التمويلي الداعم للنشاط الرياضي عموماًً وليس لكرة القدم فقط، وتشكل هذه القرارات بداية عصر جديد في صناعة الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص.
من المعروف أن صناعة كرة القدم عالمياً تصل بعض التقديرات لحجمها عالمياً لحوالي تريليون دولار أميركي تشمل كل ما يتعلق بهذه الرياضة، لكن ذلك لا يعني أنها صناعة سهلة خصوصاً بالاستثمار بالأندية، فأغلبها تحقق خسائر لقترات طويلة وينفق المستثمرون مبالغ ضخمة جداً قبل الوصول إلى الأرباح التي ليست أيضاً بذلك الحجم الكبير لكنها في الحقيقة جل المكاسب هي لشركات النقل التلفزيوني وصناعة الأدوات والملابس الرياضية، لذلك تصبح الأندية بوابة للتسويق والتصريف وبيع الخدمات.
لكن دعونا نقرأ تحديات ستواجه خصخصة الأندية في المملكة، فبداية أي مقارنة لنجاح المشروع بما هو قائم بأوروبا على سبيل المثال أو أميركا اللاتينية أهم موطنين لكرة القدم ستكون غير منطقية لأسباب كثيرة خصوصاً إذا تمت الدراسات بناءً على ما تحققه الأندية الكبرى في تلك القارات، وحتى لا نصدم كثيراً فنادي ريال مدريد الأعلى إيرادات عالمياً والتي تتخطى 700 مليون يورو لا تصل أرباحه رغم قدمه واستقراراه المالي والإداري لأكثر من 40 مليون يورو، بينما نجد أن المنافس برشلونة والثاني بالإيرادات عالمياً أرباحه لا تتخطى 25 يورو، وحقق خسائر قبل ستة أعوام، والأمر نفسه ينطبق على مانشستر يونايتد وبايرن ميونيخ، فالأرباح رغم ضخامة الإيرادات ليست مضمونة التحقيق سنوياً، وجميع هذه الأندية يقف خلفها جمهور عريض وملاك أثرياء وشركات عالمية عملاقة ترعاها، ومع ذلك تواجه عثرات بين فترة وأخرى.
فما ذكرته عن الأندية العالمية الكبرى يوضح صعوبة هذه الصناعة ومخاطرها أكثر لدينا، فلو أخذنا أحد أهم مصادر دخل الأندية، وهو بيع التذاكر، نجد أن بايرن ميونيخ في العام الماضي تخطت إيرادته منها 120 مليون يورو، بينما لا تصل إيرادات أكثر الأندية لدينا حضوراً جماهيرياً حاجز 5 ملايين ريال بحسب بعض الإحصاءات، وهو مبلغ لا يغطي رواتب بعض اللاعبين الذين تزيد رواتبهم عن هذا الرقم سنوياً، فكيف سيتم رفع إيرادات الأندية من بيع التذاكر والحضور، فمتوسط حضور المباريات لأكبر خمسين نادياً أوروبياً يتراوح ما بين 76 ألفاً في كل مباراة إلى 30 ألفاً في كل مباراة لأقل الأندية حضوراً، بينما في المملكة فإن متوسط الحضور هزيل جداً، إذ بلغ في بعض المباريات 300 متفرج فقط، أما لو أخذنا متوسط الحضور الأسبوعي لكل المباريات فكان في إحصاءات العام الماضي أعلى أسبوع لمجموع الحضور لكل المباريات 93 ألفاً، أي أعلى بقليل من متوسط حضور أنتدية كبرى مثل برشلونة وريال مدريد ومان سيتي وبايرن ميونيخ لكل مباراة، مما يعني أن أحد أهم مصادر دخل الأندية لدينا وهو بيع التذاكر يكاد يكون شبه معدوم من حيث الأثر في دخل الأندية.
أما الإيرادات الأخرى وأهمها بيع حقوق النقل التلفزيوني، فلا يمكن تضخيمها إطلاقاً، إذ إن الدوري السعودي يبقى الاهتمام به محلياً فقط، لذلك لا يمكن رفع قيمته لأن ذلك يعني رفع قيمة الاشتراكات على الجماهير، فهل يمكن لشخص أن يدفع ألف ريال مثلاً للاشتراك بالدوري المحلي فقط بينما المبلغ نفسه يدفعه للاشتراك بقنوات الجزيرة الرياضية ويحصل على مشاهدة لأكبر وأهم الدوريات العالمية: الإسباني والإنجليزي والإيطالي وغيرها، مما يعني صعوبة تحقيق مورد جيد من حقوق النقل التلفزيوني بينما سيكون للدعايات دور أكبر بإيرادات الأندية لكنها أيضاً ستصطدم بما تضعه الشركات من موازنات والتي بأي حال لن تغطي حتى نصف مصروفات الأندية وإلا لما شاهدنا ارتفاع مديونيات الأندية خصوصاً الكبيرة التي تحظى بأعلى حصة من سوق الدعايات والرعايا، فيما يبقى لبيع المنتجات التي تحمل شعارات الأندية مورد لا بأس به لكن لن يعول عليه لأن سوق التقليد واسع كما أن القوة الشرائية بالمجمل ستلعب دوراً سلبياً اتجاه كل ما يؤثر بإيرادات الأندية التي تأتي من إنفاق الجماهير مباشرة، يضاف لذلك أننا لا نملك شركات صناعة أدوات وملابس رياضية لكي تدعم ميزانيات تلك الأندية كما هو بالدوريات العالمية الكبرى لأنها دوريات وأندية لها مشجعوها ومتابعوها ويدعمون إيراداتها من خارج تلك الدول التي تنتمي لها هذه الأندية سواء في أقصى الشرق أو الغرب من العالم.
خصخصة الأندية قرار مهم ومفصلي له إيجابياته على صناعة كرة القدم، لكن التهيئة له يجب أن تسبقها استعدادات كبيرة جداً أكثر مما أعلن خصوصاً البيئة الاستثمارية، فمن سيشتري الأندية الكبرى بالمملكة يعرف أنه سينفق مئات الملايين، ولا أبالغ بذلك حتى يصل لمرحلة التوازن، فمن سيقبل مثل تلك المجازفات! فنادي مانشستر سيتي أنفق عليه أكثر من مليار جنيه استرليني حتى أصبح منافساً قوياً، وذلك في مدة لم تزد عن ثمانية أعوام، وما زال يحقق خسائر، فكيف سيكون الحال مع شراء الأندية الكبرى لدينا التي تتخطى مصاريفها بالمتوسط 150 مليون ريال على الأقل سنوياً، وستحتاج لاستثمار مبالغ كبيرة بعد خصخصتها حتى تصبح مجدية كنشاط تجاري لمن سيستثمر بها، لكن هل حجم السوق والموارد المتوقعة ستكون داعمة لجذب المستثمرين، أم سنجد أن الخصخصة سيكون لها مردود سلبي بضعف الإنفاق من المستثمرين واعتبارها مشاريع ثانوية قد تخدمهم بطرق غير مباشرة لتحقيق إيرادات كدعايات لشركاتهم، لكن لن يكون ذلك من خلال تطوير مستوياتها، فيكفي التذكير كيف أصبح حال الدوري الإيطالي وأكبر أنديته من ضعف بالمنافسة أوروبياً قياساً بفترتها الذهبية قبل عقدين أو ثلاثة عندما كانت تتسيد أوروبا، وذلك بعد تراجع الإنفاق عليها من المستثمرين بل وقيام بعضهم ببيع استثماراتهم بالأندية أو حصص فيها للتخلص من أعبائها.
في خصخصة الأندية لابد من الحذر الشديد حتى لا نخسر قيمة الأندية ووظيفتها الأساسية بالمجتمع بنشر الرياضة وممارستها لخدمة صحة المجتمع وتنمية المواهب واستثمارها لنحولها إلى أنشطة تجارية ستضعف الاهتمام بالرياضة في حال لم تدر بالأسلوب العالمي ولم تكن البيئة الخارجية مساندة للنهوض بالنشاط الرياضي فيصبح من الأولى التدرج البطيء بالخصخصة والاستعداد بداية بتعزيز أصول وأوضاع الأندية جميعها بل والحث على الاندماج بين بعضها لتكون كيانات أقوى تستطيع أن تجذب مستثمرين لها.