محمد أبا الخيل
تحدثت في المقال السابق عن (قصور أداء بيئة العمل المؤسسي) في القطاع العام والخاص في المملكة العربية السعودية، وقلت إن هناك ثلاث سمات أساسية يشترك بها القطاعان تحد من فاعلية أداء المؤسسات في كلا القطاعين أحد تلك السمات هو (صعوبة توحيد الرؤية والأهداف بين أعضاء الإدارة العليا)، وفي هذا المقال سوف أناقش هذه السمة التي قد تكون أهم ما يعوق التخطيط الإستراتيجي والإنجاز التنفيذي.
عند الحديث عن توحيد الرؤية يتبادر للذهن دائماً سؤال حول مفهوم (الرؤية)، فالمفهوم في الأدبيات الإدارية العربية غير ثابت، حيث يعرف البعض الرؤية بأنها « الطموح لتحقيق هدف محدد في المستقبل» والبعض يعرفها «بالصورة الذهنية لما يجب أن يكون عليه المستقبل» وبعض آخر يعرفها «بأنها إعلان للمبادئ والمثل والقيم السامية التي تطمح المؤسسة لترسيخها في بيئة العمل»، وهناك تعريفات أخرى أقل شهرة، هذا التباين في تعريف (الرؤية)، يخلق تبايناً في مدى الالتزام بأي من التعاريف متى اعتمدت المؤسسة أي من تلك التعاريف، ويضاف لذلك تباين في الالتزام بنص صياغة (الرؤية)، فكثير من التنفيذيين لا يتحفظ في السخرية من صياغة (رؤية) المؤسسة التي ينتمي لها، وذلك عائداً إما لكونه انضم للمؤسسة حديثاً فلم يكن له دور في تلك الصياغة أو أن صياغة الرؤية تمت بطريقة فردية لم يشترك في تكوينها أو نقدها أو أن شركة استشارية ما أعدت الرؤية وأقنعت بها صاحب القرار فأتت غريبة عن واقع المؤسسة.
معظم الأجهزة الحكومية ليس لديها نص مكتوب يعبر عن رؤية إستراتيجية وقليل من مؤسسات وشركات القطاع الخاص لديها عبارة تمثل رؤية إستراتيجية، وإن وجدت ففي الغالب أنها وضعت في ظل ظروف ومعطيات تغيرت وأصبحت عبارة الرؤية غير معبرة، أو أن تلك العبارة لا تعدو كونها نصاً منمقاً يحلي مطبوعات المؤسسة أو الشركة وليس له أثر في واقع منظمة العمل، لذا فعبارة الرؤية مهما كانت صياغتها قصيرة أو طويلة شعرية أو نثرية لا تعدو كونها نصاً أدبياً طالما أنها لا تحرك مشاعر العاملين كي يلتزمون بتحقيقها.
يعتمد وضع الأهداف الإستراتيجية و المرحلية للمؤسسة على وجود (رؤية مشتركة)، فالرؤية المشتركة تمثل غاية لكل الأهداف الإستراتيجية التي يجب أن تتظافر الجهود الكلية في المؤسسة لتحقيقها, فإذا لم تكن الرؤية مشتركة، أي إن لم يلتزم التنفيذيون في الإدارة العليا بوحدة الفهم والالتزام لتحقيق الرؤية فإن أهدافهم ستكون غير متجانسة وربما تصبح متضادة بعضها يقوض الآخر، وهذا ملاحظ في كثير من مؤسسات القطاع الخاص والعام فنجد برامج مكررة ومبادرات مشتتة وأحياناً يكون هناك توجه لدى البعض لتقويض جهود الآخرين بإجهاض تلك البرامج والمبادرات أو بالتأثير في حرفها عن الأهداف الأصلية التي وضعت من أجلها.
توحيد الرؤية بين فريق العمل التنفيذي هو مهمة رئيس ذلك الفريق، وهذا لا يعني أن يجبر الفريق على الالتزام برؤية لا يتفقون معها فذلك مدعاة للخلاف الباطن وهو أشد فتكاً بالأداء من الخلاف الظاهر، لذا يجب على رئيس الفريق التنفيذي أن يخصص جزءاً كبيراً من وقته في عملية توحيد الرؤية وذلك من خلال ورش العمل واللقاءات الجماعية والفردية وقبول النقد وإعادة صياغة عبارة الرؤية إذا كان البعض يجد فيها صعوبة في الفهم أو تناقض مع القيم والتطلعات الخاصة. وتوحيد الالتزام بالرؤية لدى الفريق التنفيذي ليس بالأمر الهين إذا كان هناك تباين في الثقافة الإدارية أو التأهيل التعليمي بين التنفيذين أو التطلعات الشخصية وكلما ازداد عدد فريق العمل التنفيذي كلما أصبح توحيد الرؤية بينهم عملاً شاقاً ومجهداً.
قد تحتاج قيادة المؤسسة لعون من بيت خبرة إدارية للمساعدة في تيسير عملية وضع الرؤية، ولكن لا يجب أن يترك لها صياغة نصها، بل يجب أن يكون النص هو محصلة تفاوضية بين جميع أفراد فريق العمل التنفيذي وربما يجدر إشراك ممثلين من مستويات الإدارة العمل الأدنى. حتى تكون الرؤية مشتركة والكل يشعر بمساهمة في تكوينها وهذا من أهم موجبات الالتزام بها.