عبدالعزيز السماري
جاءت قضية ولاية المرأة لتعيد بعض السخونة للجدل الاجتماعي بين المطالبين بها والمعارضين، وإن كنت من المؤيدين للحوار العقلاني المبني على احترام مختلف وجهات النظر بين المطالبين والمعارضين، ولكني مخالف بشدة لأساليب التسفيه وإثارة الرأي الشعبي من على المنابر في قضايا الرأي العام.
كان اعتلاء الشيخ محمد العريفي منبر المسجد للتعبير عن وجهة نظره في قضية الولاية، ولجوؤه لأساليب الاتهام المباشر وغير المباشر للآخرين، أمرًا كنت أعتقد أننا تجاوزناه؛ فقد كال التهم لمخالفيه بأنهم ليسوا بعقلاء، ورجال ذوو مآرب وفساد، وقال بنص العبارة إنه لا يوجد بين المؤيدين عالم جليل، بالرغم من أن الرأي الآخر كان قد تبناه الشيخ عبدالله المنيع، عضو هيئة كبار العلماء، في رأيه الصريح بعدم مشروعية الولاية على المرأة العاقلة الراشدة (إلا في عقد الزواج)، وذلك في معرض رده على حملة شعبية نسائية.
كان محور الخطبة حول الهاجس الجنسي عند المطالبين باستباحة النساء واستغلالهن، وكان يرى أن المطالبة برفع الولاية غرضها غرائزي، وقصدها الهروب مع الفتيات إلى الخارج، بينما يدرك الشيخ محمد العريفي أن الفساد الشخصي لا تمنعه ولاية، ولا تنجح في كشفه رقابة، وهو يعلم أن كثيرًا من الفتيات يحملن في جوازات سفرهن أذونات بالسفر صالحة إلى مدة انتهاء صلاحية جواز السفر.
كان الغرض من المطالبات لولاية المرأة حفظ كرامتها وحقوقها الشخصية كمواطنة، وقبل ذلك كإنسان عاقل وراشد، وهل يصح أن يقوم بولاية امرأة راشدة ابنها أو أخوها الصغير، وهي التي وصلت إلى مستويات القيادات والولاية العامة في المجتمع السعودي؟ ولا أعلم لماذا لم يطالب الشيخ بقصر سفر الشاب غير الراشد إلا بإذن ولي أمره؛ فسفر الشباب المراهق أيضًا قد يكون له الحكم نفسه على الفتيات في الخارج.
أقحم الشيخ قضية القوامة في الولاية، وهو ما لم يطالب به النساء، بالرغم من أنني أحد الذين يؤمنون أن قضية قوامة الرجل تواجه امتحانًا اقتصاديًّا عسيرًا؛ فقد جعلت القوامة للرجل على المرأة حسب الفقهاء في العصور الوسطى بما أنفقه عليها، وما دفعه إليها من مهر، وما يتكلفه من نفقة في الجهاد، وما يلزمه في العقل والدية، وغير ذلك مما لم تكن المرأة ملزمة به.
في المجتمع المعاصر يعاني بعض الرجال قلة الموارد المالية بسبب تدني الرواتب في بعض المهن، وربما تكون زوجاتهم من ذوي المداخيل المالية العالية، وقد لا يستطيع الزوج تحمل تكاليف القوامة ماليًّا، فما الحل الشرعي يا فضيلة الشيخ في هذه المعضلة الاجتماعية؟ فالأمر لم يعد توزيعًا ماليًّا من بيت المسلمين، كما كان في صدر الإسلام، بل يعتمد على التحصيل العلمي والمهني للإنسان، وعلى النجاح الاقتصادي في سوق العمل، بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو جنسيته، فقد تطور الاقتصاد في المجتمع المعاصر، وتجاوز مركزية الجهاد كأهم موارد اقتصاد الدولة.
طريقة الشيخ العريفي في القيام بدور الوصي واعتلاء المنابر واختزال الرأي الشرعي في وجهة نظره واجتهاده الشخصي، ثم توزيع التهم والتشكيك في ذمم ومقاصد مخالفيه، أمر يعزز من ثقافة التطرف في المجتمع؛ ولذلك أطالب بمنع استغلال المنابر لإهانة المخالفين في الرأي، أو احتكاره لإثارة الرأي العام، وأن يكون عوضًا عنها الحوار حول طاولة مجلس الشورى أو بين المتخصصين في الشأن العام. والله ولي التوفيق.