أ.د.عثمان بن صالح العامر
اهذه سنة التقاعد بامتياز، فطوابير المتقاعدين هذه الأيام من الرجال والنساء في التعليم وخارج الميدان التربوي ممن تجاوزوا الخمس وعشرين سنة أو من كانت خدماتهم أقل من ذلك بكثير.. هؤلاء الذين كانوا يمضون ساعات نهارهم الأولى داخل أروقة المدارس أو على المكاتب أو في الميدان أياً كانت المهام التي يقوم بها سيعانون جزماً في الأيام المقبلة من الفراغ، خاصة أنهم ترجلوا عن مقّار أعمالهم وهم مازالوا قادرين على العطاء بقوة، وربما شريحة عريضة منهم لديه التزامات مالية مرهقة سيبحث عن فرصة عمل تفي بالتزاماته وتغطي ما نقص من راتبه الشهري جراء التقاعد، وشريحة أخرى استقر بهم الحال في مستوى معيشي معين يصعب عليهم النزول عنه فجأة ولذا هم الآخرين يتحينون الفرصة للانضمام في عمل جديد يدر عليه دخل إضافي، ولذا سنجد أنفسنا أمام بطالة جديدة، سيجد المخطط التنموي نفسه إزاء ظاهرة مجتمعية لم تكن ذات بال في السابق، موظفين وموظفات ومعلمين ومعلمات «كوادر وطنية» متعلمة ومدربة ولها خبرة وتميز في العمل الحكومي تطرق باب القطاع الخاص أو الأهلي الخيري بحثاً عن فرصة جديدة للعمل.
المشكلة أن هذا المخطط لم يحسب لهذا الأمر حسبه يوماً ما، بل أن المتقاعدين والمتقاعد أنفسهم إلى الآن لا يعرفون ماذا سيفعلون بعد تركهم مقار أعملهم في 1-3-1438هـ، والسؤال الذي يشغل بالهم هذه الأيام الأخيرة لهم في حياتهم الوظيفية: هل سأجد لوقت فراغي ما أشغل به نفسي، أم أنني سأصير عالة على زوجتي وأهلي نتيجة بقائي في البيت طوال الوقت بلا عمل!؟.
نفس السؤال يرد في ذهنية المرأة ولكن بدرجة أقل، والتخوف لديها أن تشعر بالكبر وهي ما زالت في عمر العطاء، وأن تكون مصدر ضغط وإزعاج للعاملة المنزلية «الشغالة» بطلباتها وكثرة تدخلها فيما كان من قبل غائب عن دائرة تفكريها واهتمامها بالكلية.
إن من الصعوبة بمكان أن تشارك المؤسسات الخاصة والقطاع التنموي الثالث «الأهلي الخيري» في علاج هذه الظاهرة وامتصاص أثرها الاجتماعي المتوقع بالشكل الذي يتطلع له غالبية هؤلاء المتقاعدين، ولذا فإنني أعتقد أننا في هذه المرحلة بحاجة ماسة إلى وجود أندية خاصة لرعاية المتقاعدين والاهتمام بشأنهم والاستفادة من خبراتهم وتوظيف طاقاتهم وتوطيد العلاقات الاجتماعية بينهم على غرار «مركز الأمير سلمان الاجتماعي» الذي أصبح صرحاً إنسانياً فريداً من نوعه ومتنفساً رائداً ورائعاً للمتقاعدين من الجنسين الرجال والنساء في العاصمة الرياض، كما أن الجمعية الوطنية للمتقاعدين مدعوة إلى التحرك الجاد لتعزيز أنشطتها وتفعيل برامجها أكثر مما كان عليه الأمر في السنوات الماضية، ويمكن لها التنسيق مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لافتتاح مراكز في الأحياء «الفكرة التي ولدت مريضة وما زالت تراوح مكانها في كثير من مناطق المملكة!؟».
ووزارة الشئون الإسلامية لديها فرصة ثمينة في الاستفادة من هؤلاء المتقاعدين القادرين في شغل وظائف الإمامة والأذان قريباً من منازلهم وفي دائرة الأحياء التي يسكنونها، كما أن هؤلاء المتقاعدين يمكن لهم أن يكونوا إيجابيين وفاعلين في ميدان العمل التطوعي الخير متى ما وجدت البرامج المدروسة والمقننة التي تتوافق ومهاراتهم ومعارفهم الحياتية وتتلاءم واحتياجاتهم المجتمعية والنفسية وتلبي مطالبهم الذاتية، وهذا ممكن متى ما انبرا له منظرين متميزين يعرفون جيداً الكيفية المثالية لتوظيف الموارد البشرية المتاحة بشكل صحيح، دمتم بخير تقبلوا صادق الود والسلام.