د.محمد بن سعد الشويعر
إنه لأمر يحزن أن نرى شبابنا وأبناءنا يذهبون سدى تحت رحمة من لا رحمة في قلبه أبدًا، الذين انغمسوا في تيار فكر ضال، الذي وعد المغررون به بالكثير من الملذات في الجنة، وأسقطهم في الهاوية تحت وعود مزيفة، لا يرضاها الله سبحانه، ولم يستنها رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام.
ففي الأيام الماضية شاهد الكثير منا مقاطع لكثير من الاستشهاديين - حسب تسميتهم - وأكثرهم من صغار السن الذين لم تتجاوز أعمارهم العشرين سنة، بل إن بعضهم لم يتجاوز الخامسة عشرة، وما يلقنه شيطانه الإنسي من كلمات، ويرسل رسائل إلى ذويه بأن ابنهم متجه إلى الجنة وما فيها من ملذات، وخص بذلك (حور العين)، وأن ابنهم سوف ينعم بين حور العين وكذا وكذا، وكأن ابنهم (شهواني) حتى يقطع قلوبهم بمشهد موته وانتحاره، وأنه شهيد، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فهذا مفهوم الجهاد الخاطئ عندهم؛ فالجهاد المعروف عند أهل السنة والجماعة ليس بذلك أبدًا؛ فقد غير معناه (الإرهابيون)، وهذا بعيد كل البعد عن الدين الإسلامي الحنيف؛ فالجهاد في الإسلام وسيلة، وليس غاية، التي هي إعلاء كلمة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وإقامة شرع الله.
أين أنت يا من تقول إنك تخاف الله، وتتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يا شيطان الإنس من قول الله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ (البقرة 195)، ومن قوله تعالى: ... وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (النساء 29- 30).
أين أنت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَديدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِها في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا» (رواه البخاري ومسلم).
ألا تعلم أن هذا انتحار، وهو محرَّم في شرع الله، وكبيرة من كبائر الذنوب؟ ألا تعلم أنك تتعدى على ما ليس لك وليس بملكك، وأنك غير راضٍ بقدر الله الذي قدره عليك وعلى غيرك؟
لماذا لم تقدِّم ابنك أو بنتك أو زوجتك حتى تنعم أنت وإياهم فيما قلت من وعود مزيفة تحت راية (الجهاد)، وتلعب ببضاعة غيرك؟
ألا تعلم أن الجهاد الحقيقي لـه شروط وواجبات، أولها الجهاد (تحت راية الإسلام) فإذا لم تكن هناك رايـة فليس هناك جهاد.
يقول الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه 123 - 124).
فاعلم أن هذه ثقافة مدسوسة، وأفكار مشوشة؛ لذا يجب تهيئة نفوس الشباب لإدراك عواقب كل ما يُطرح أمامهم، وتحضير الإجابة المسكتة من المعلومات الصحيحة الكاشفة لما وضعه هؤلاء المنشقون، وذلك بتوسعة المدارك، وتبادل المعلومات، والسؤال والمناقشة.. فثقافة الشباب تحتاج إلى من يتابعها وينميها فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، وهي مرحلة طويلة، يجب رعايتها حسبما هو معمول به في المناهج الدراسية، والتـربية والتوجيه والتعليم، وحسن الاختيار؛ حتى لا تضيع الأعمار في أمور غير نافعة.
وللحديث بقية إن شاء الله.