د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
توقعت منظمة أوبك في تقريرها العاشر عن آفاق النفط العالمية لعام 2016 بأن يكون انتعاش أسعار النفط أبطأ من المتوقع، وافترضت في التقرير متوسط أسعار نفط 65 دولاراً للبرميل في عام 2012، ويتناقض هذا التقرير مع تقريرها السابق لعام 2015 الذي توقع متوسط أسعار 80 دولاراً بحلول عام 2020.
يبدو أن إستراتيجية التمسك بالحصص التي تمسكت بها السعودية ساهمت في الضغط على أسعار النفط وحدت من نمو الإنتاج من خارج المنظمة، مما فرض على الدول المنتجة خارج المنظمة خصوصاً روسيا في طلب التعاون والتنسيق مع المنظمة مع أكبر دولة منتجة داخل المنظمة، وهي السعودية.
أي أن السعودية وروسيا يقودان سوق النفط العالمي من أجل البحث عن استقراره على المدى المتوسط والبعيد، وإعادة التوازن إلى أساسيات السوق العرض والطلب، لكن مخزونات النفط العالية لا تزال مصدر قلق كبير، ورغم أن وزير الطاقة السعودي يحث على خفض الإنتاج إلى 32.5 مليون برميل يومياً، في المقابل زادت المملكة الشحنات بواقع 507 آلاف برميل يومياً في سبتمبر 2016 ارتفع من 7.305 ملايين برميل يومياً إلى 7.812 مليون برميل يومياً، بإجمالي إنتاج نحو 10.650 مليون برميل، اعتبرتها ورقة حاسمة تستخدمها في مفاوضات أوبك لتثبيت إنتاج المنظمة أو خفضه قبل أن يتوصلوا إلى اتفاق في اجتماع نوفمبر 2016.
نجد أن بوتين خلال مؤتمر صحافي في ليما بعد حضور اجتماع قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبيك) قال: سنفعل كل ما يتوقعه منا شركاؤنا من أوبك، تجميد إنتاج النفط الخام ليس مشكلة بالنسبة لنا، وأكد أن شركات النفط الروسية مستعدة لفعل ذلك، وأنه يرى أن هناك احتمالاً كبيراً للتوصل للاتفاق الذي يهدف إلى تعزيز الأسواق ورفع الأسعار خلال اجتماع أوبك، وبالفعل هناك توافق بين الخبراء على خفض الإنتاج لمدة 6 أشهر لموافقة جماعية ودعم روسي، قبل اجتماع الوزراء رقم 171 لمنظمة أوبك، وسيكون أول خفض لإنتاج دول أوبك منذ نحو ثماني سنوات، وبالتحديد منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
الإنتاج من تشكيلات النفط الصخري المنخفض التكلفة من المتوقع أن يصل 4.55 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2020 وقد يصل إلى ذروته إلى 6.7 مليون برميل، مما فرض على منظمة أوبك اعتماد إستراتيجية جديدة تتحكم في سياسات الطاقة المستقبلية، لذلك هي تبحث عن كيفية تطوير أسواق النفط ومزيج الطاقة العالمي وآثار تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ التي هي واضحة في مزيج الطاقة العالمي وهو السيناريو المرجعي لهذا التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة ومكاسب الغاز الطبيعي الذي يشهد نمواً من حيث القيمة المطلقة.
رغم ذلك فإن الطاقة المتجددة رغم نموها السنوي الذي يصل إلى 6.6 في المائة لكن لن تكون حصته الإجمالية في مزيج الطاقة العالمية سوى 4.7 في المائة بحلول عام 2040، لذلك يبقى التفاؤل يعم أسواق النفط، وتفعيل اتفاق الجزائر نقطة الانطلاق خصوصاً بعدما بدأ يزداد بشكل أكبر بين كبار اللاعبين في السوق النفطية، ما جعل بنك ( غولدمان ساكس) يرفع توقعاته لأسعار النفط خلال مطلع عام 2017 إذا ما تم التوصل إلى اتفاق بشأن خفض الإنتاج بنحو 4 في المائة من الإنتاج الحالي بما يحقق الاستقرار في الأسواق العالمية.
حيث يُعد بنك (غولدن ساكس) أحد أكبر البنوك التي تستثمر في سوق النفط، ارتفاع متوسط سعر أسعار الخام الأميركي إلى 55 دولاراً للبرميل خلال النصف الأول من عام 2017 مقارنة بتوقعات سابقة أشارت إلى أن متوسط الأسعار سيتراوح بين 45 دولاراً للبرميل و50 دولاراً للبرميل، وذلك على افتراض تخفيض إنتاج أوبك ما بين 32.5 - 33 مليون برميل يومياً وتجميد إنتاج روسيا.
ويرى البنك أن خفض إنتاج منتجي النفط منخفض التكلفة يحد من تفاقم المخزونات التي يمكن أن ترتفع 700 ألف برميل يومياً خلال الربع الأول من عام 2017، بعدما بقيت الأسعار منخفضة لأكثر من عامين، وارتفعت التعاقدات الآجلة لخام برنت إلى مستويات حول 48 دولاراً للبرميل، فيما ارتفع سعر خام تكساس الوسط الأميركي إلى 46.14 دولار للبرميل.
إذاً تراجع الأسعار فرض الوحدة على أعضاء أوبك، ولم يكن تخوف دول أوبك فقط من تحذيرات وكالة الطاقة من انتعاش واسع في إنتاج الصخري مع خفض أوبك للإنتاج مما يرفع الأسعار الذي يمكن النفط الصخري مرتفع التكلفة من الإنتاج، بل كذلك هناك قمة عالمية للطاقة مطلع عام 2017 لتعزيز الأسواق وحماية المناخ الذي وقّعت عليه السعودية في باريس، وهذا الاجتماع يشجع على الابتكار واستخدام التقنيات المتقدمة.
حيث جرى تدشين مبادرة مشتركة بين وزارة الطاقة في الإمارات والمجلس الأطلسي الأمريكي وهي المرة الأولى التي يستضيف فيها المجلس الأطلسي هذا الحدث الأبرز في دول مجلس التعاون الخليجي وهدفها استكشاف التأثيرات الجيوسياسية والاقتصادية لأسواق الطاقة والتقنية سريعة التغير.
إذا هناك نظام جديد ناشئ لسوق النفط والغاز وتقنيات الطاقة المتقدمة في سياق تحول قطاع الطاقة وتغير المناخ، فنجد في بريطانيا تواجه التلوث بتطبيق معايير الانبعاث على محطات توليد الكهرباء وأن تخضع محطات توليد الكهرباء التي تنتج ما بين 2-50 ميجاواط من الكهرباء لقواعد جديدة للحد من انبعاثات الملوثات الضارة مثل ثاني أوكسيد النيتروجين، الذي يمكن أن يؤدي إلى وفاة نحو 50 ألف حالة سنوياً ويكلف نحو 30 مليار جنيه إسترليني، وستطبق القيود اعتباراً من ديسمبر 2018 حيث تتعرض الحكومة إلى ضغوط من الجماعات المدافعة عن البيئة لتطبيق معايير لمنع المحطات الملوثة التي تعمل بالديزل من إبرام عقود قيمة في سوق طاقة إنتاج الكهرباء حيث أدى تراجع أسعار الكهرباء المستثمرين عن بناء محطات جديدة.
بعد وضع خطة لتنفيذ الاتفاق التاريخي الذي تبنته باريس عام 2015 وتم توقيع وفود 200 دولة في 20 11/2016 في مراكش المغربية حيث تعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائه دون درجتين مئويتين ما يفرض تقليصاً شديداً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات، لذلك نجد السعودية تؤكد من مراكش مضاعفة إنتاج الغاز وزيادة إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة.
لكن وكالة الطاقة أبقت على توقعاتها بشأن العرض والطلب رغم اتفاقية باريس وأن الاستهلاك العالمي للنفط التي ترى أنه لن يصل إلى ذروته قبل 2040، واعتبرت أن اتفاق باريس للمناخ الذي أبرم في 2015 يسعى إلى تقليل اعتماد الاقتصاد العالمي على الوقود الأحفوري في النصف الثاني من القرن في محاولة للحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة في العالم فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، لكنها ترى في تقريرها السنوي صعوبة العثور على بدائل للنفط في قطاعات الشحن البري والطيران والبتروكيماويات.
تعني أنه حتى 2040 فإن النمو في هذه القطاعات الثلاثة وحدها سيكون أكبر من النمو في الطلب العالمي على النفط، وأن الطلب على النفط سيصل عام 2040 إلى 103.5 مليون برميل يومياً من 92.5 مليون برميل في 2015، حيث سيكون الهند المصدر الرئيس لنمو الطلب وستتفوق الصين على الولايات المتحدة لتصبح أكبر دولة منفردة مستهلكة للنفط.
وهي ترى أنه وفق سيناريو السياسات الجديدة فإن توازن العرض والطلب يتطلب اقتراب سعر النفط من 80 دولاراً للبرميل في 2020 وزيادات تدريجية بعد ذلك، لكن وفق السياسات الحالية فإنه يتوقع ارتفاع الطلب على النفط عام 2040 نحو 117 مليون برميل، ولديها سيناريو ثالث وهو سيناريو 450 الذي يتوقع هبوط استخدام النفط في المركبات الذي يمكن أن ينخفض من 24 مليون برميل يومياً إلى 15 مليون برميل يومياً عام 2040، هذا يعود إلى النجاح في التقدم في تكنولوجيا البطاريات الذي يتوقع البعض أنه بحلول عام 2030 المركبات التي تعمل بالنفط سوف تكون استثناء وليس قاعدة، وهذا سوف يؤثر حتماً على الطلب على النفط، ولكن يرى البعض الآخر أن إخراج السيارات الكهربائية البنزين من السوق حلم بعيد المنال.
رغم زيادة الإنتاج غير التقليدي بحلول عام 2040 بأكثر من المثلين، لكن تتوقع الوكالة أن حصة منظمة أوبك ستتزايد وتقترب من 50 في المائة من الإنتاج العالمي بحلول عام 2040.
كذلك تحول العالم نحو مزيج الطاقة الجديد يحتاج إلى عقود، وسيكون النفط والغاز يتوقع أن يساهم بنحو 53 في المائة في مزيج الطاقة العالمي حتى 2040، والمرحلة الحالية تتطلب استثمارات ضخمة قدَّرها الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو بنحو 16 تريليون دولار حتى عام 2040.
ويؤكد رينيه تسفانيبول مدير شركة طاقة في هولندا بأن تقييد الإنتاج على الأرجح سيكون مؤقتاً لحين تخلص مستويات الطلب من التباطؤ الحالي وتحسن معدلات النمو الاقتصادي الدولي بشكل عام، وسيتقلص الإنتاج الأمريكي بنحو 800 مليون برميل عام 2016، وهناك أيضاً معدل نضوب الحقول القائمة بالفعل الذي يصل إلى 9 في المائة وهو ما يعني أن حالة تخمة المعروض وإن استمرت ثلاث سنوات إلا أنها على المدى الطويل ستخسر، ما جعل وكالة الطاقة تفاجأ الأسواق بالحديث عن تفوق سعودي على أمريكا في سوق النفط خصوصاً أن السعودية تمتلك ربع الاحتياطيات العالمية وتقود أوبك التي تستحوذ على 73 في المائة من الاحتياطيات المؤكدة، وحيث إن الاحتياطيات العالمية من النفط تبلغ 2262 مليار طن نصفها في الشرق الأوسط ويكفي 58 عاماً.
ومن يعوّل على إمكانية تخفيض تكلفة عمليات إنتاج البترول والغاز الصخري إلى مستوى تكلفة البترول التقليدي في حدود عشرين أو أقل أو أكثر حسب المناطق التي يتم استخراج البترول منها، بينما استخراج البترول والغاز الصخري ترتفع تكلفته مع اقتراب نضوب حقوله، وأن معدل إنتاجها سوف ينخفض بعد عقود قليلة بنسبة تصل إلى 80 في المائة، بجانب أن النفط والغاز يستخرجان من أعماق 3000 متر عبر تصديع طبقات الأرض الصخرية، حيث يتم تكسير الصخور بضخ خليط من المواد الكيماوية السائلة والرمل والماء ومواد أخرى يتم دفعها بقوة هائلة جداً في حفر الآبار ما يحدث تصدعات هيدروليكية في عروق الصخور، وبالتالي كسور يتم شفط النفط منها بآلات خاصة.
واللافت للنظر أنه يتوجب اختراق طبقات المياه الجوفية خلال الحفر للوصول إلى العمق المطلوب خصوصاً أن المياه على عُمق عشرات الأمتار من سطح الأرض وليست هناك ضمانة لعدم حدوث تلوث المياه خلال عملية التصديع بالمواد الكيماوية، وهو ما يسبب ضرراً بالبيئة والتربة حسب تقدير جيولوجيين وهو ما يثير حماة البيئة في المطالبة بوقف التصديع الهيدروليكي لاستخراج النفط.
وأظهرت بيانات جودي أن كميات النفط التي استهلكتها محطات التكرير السعودية بنحو 2.426 مليون برميل يومياً في سبتمبر 2016 وصدرت السعودية منه بواقع 1.349 مليون برميل يومياً، وانخفض الطلب المحلي على المنتجات النفطية بواقع 407 آلاف برميل يومياً إلى 2.518 مليون برميل يومياً، وتمتلك السعودية مخزونات تقدر بـ 278.688 مليون برميل في سبتمبر 2016.
رغم انخفاض أسعار النفط لم تخفض السعودية إنفاقها على قطاع الزيت والبتروكيماويات والتكرير، ويتوقع أن تبدأ بإنتاج الغاز الصخري في 2018 من حقل الجافورة الواقع في منطقة الأحساء الذي يمتلك موارد غازية ضخمة جداً حيث يكون متمماً للأنواع الأخرى من الغاز فهناك الغاز المصاحب وغير المصاحب الذي ستتوسع في إنتاجه الشركة بعد إضافة مشروعها الجديد في الفاضلي بنهاية 2019، وبذلك سيصبح لدى الشركة القدرة على معالجة ما يقارب 18 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً بحلول عام 2020 حيث تبلغ الطاقة الحالية نحو 12 مليار قدم مكعبة يومياً بنهاية 2015.