د. محمد عبدالله العوين
بدأت دولتنا المباركة خطوتها الأولى في بناء اقتصاد متطور منذ أن تدفقت أول قطرة من الذهب الأسود عام 1358هـ الموافق 1938م من البئر رقم (7) وصحب توسع اكتشاف آبار البترول الضخمة في السنوات التالية توطين الخبرة الجيولوجية وإدارة صناعة البترول وتسويقه وتأسيس الصناعات التوليدية من مشتقات البترول يدعم ذلك مخزون هائل من أشهر آبار البترول في العالم كالسفانية والغوار وغيرهما، ويعد عام 1944م نقطة تحول في مسيرة اقتصاد المملكة بإنشاء « الشركة العربية الأمريكية للزيت أرامكو الأمريكية « الاسم البديل لشركة « كاسوك « المكتشف الأول للنفط.
لم يتوقف طموح الدولة على استخراج البترول وتسويقه؛ فبعد سنوات قليلة تم توطين واكتساب الخبرة العلمية والإدارية بإشراك الشباب السعودي مع الخبرات الأجنبية في كل التفاصيل العملية وابتعاث أجيال متوالية إلى الجامعات المتخصصة في العالم، وإنشاء كلية البترول والمعادن في الظهران 1383هـ التي تحولت إلى « جامعة الملك فهد للبتول والمعادن « وتم التدرج في امتلاك شركة أرامكو على مدى عقود من الزمن إلى أن تحقق الامتلاك الكامل للشركة بمنشآتها الكاملة عام 1408هـ وأصبحت تعرف باسم « أرامكو السعودية».
والحق أن تاريخ الصناعة السعودية بدأ بما تم التخطيط له بوعي شديد وإصرار كبير على التميز في استغلال نعمة النفط باعتباره المادة المهيأة والجاهزة لتكون المملكة مصدرا رئيسا لصناعة النفط وليس استخراجه وتسويقه فحسب، وهكذا تم إنشاء « الهيئة الملكية للجبيل وينبع « 1395هـ بمرسوم ملكي؛ لتكونا أول مدينتين صناعيتين على الشاطئ الغربي والشرقي للمملكة، ثم صدر مرسوم ملكي 1396هـ بإنشاء « سابك « لتبدأ بإرساء مصانعها في عام 1403هـ ثم تتنامى بوتيرة متسارعة لتصل الآن إلى ما يقرب من ثلاثين شركة تابعة تنتج مختلف الصناعات التحويلية من البترول والحديد والصلب وتهيمن على حصة وفيرة من السوق العالمي.
وسيفتتح الملك سلمان مدينة «رأس الخير» الصناعية التي لا تبعد عن الجبيل سوى ستين كيلو مترا لتضاف إلى مفاخر الصناعة السعودية البتروكيماية.
واليوم وقد توافرت لدينا عشرات من الصناعات التحويلية كالألمنيوم والبلاستيك وعشرات المواد الكيماية والحديد وغيره لم لا نستحدث خطا آخر موازيا في الصناعات «الثقيلة» المدنية والعسكرية يواكب تفوقنا في صناعة البتروكيمايات؟!
فبعد خبرة سبعين عاما في تطوير صناعة البترول وإدارة المدن الصناعية الضخمة وإنشاء شركات عملاقة كأرامكو وسابك وما تفرع منهما وتكوين أجيال سعودية اكتسبت الخبرة بالممارسة والدراسة؛ لم لا نتجه بقوة إلى الصناعات « الثقيلة « وعلينا ألا ننظر إليها على أنها حلم بعيد المنال يصعب تحقيقه أو الوصول إليه؛ فبالإصرار والعزيمة والتخطيط والعمل نستطيع أن نكون ونتفوق كما تحقق لنا في البترول وصناعاته.
وحري بقائد العزم والحزم الملك سلمان بما حباه الله به من بصيرة نافذة وذكاء حاد وطموح لا حدود له وخبرة إدارية وقيادية طويلة متميزة وغير عادية أن يصل ببلادنا إلى قمة الهرم الصناعي : أن نكون دولة صناعية كبرى تصنع الطائرات والقطارات والسيارات والبواخر العملاقة والالكترونيات ونحوها؛ تماما كما صنع والده الملك المؤسس العظيم عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - حين أصر ولم ييأس حتى تم اكتشاف « الخير « عام 1358هـ والذي ننعم به ولله الحمد الآن.
وحين يضع قائد النهضة وحامي حماها الملك سلمان مشروع أن نتحول من دولة تصنع البتروكيمايات فقط إلى « دولة صناعية كبرى « بما يعنيه هذا الاسم؛ فإنه لن يبقى في مجتمعنا عاطل ولا عاطلة على الإطلاق، وستتوافر لدينا مصادر عديدة وثرية للدخل تحقق ما رسمته رؤية (2030م) وما ذلك على الله بعسير.