محمد أبا الخيل
بدعوة كريمة من شركة (معادن) لزيارة مرافقها الصناعية، وفي يوم ماطر جميل هبطت بنا الطائرة في مطار (تناجيب) وهو مطار خاص بشركة أرامكو وقريب من المدينة الصناعية بـ(رأس الخير)، تلك المدينة التي قال عنها الدكتور إبراهيم المهنا (مستشار معالي وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية)، «كانت أرضاً جرداء قبل عام (2007م)»، واليوم ترى مرافقها شامخة من بعد عشرات الكيلومترات، فرأس الخير قصة نجاح وطن في التنمية الصناعية، فخلال أقل من عشر سنوات أصبحت رأس الخير رافداً من روافد الاقتصاد السعودي الواعدة، واعدة بقيام صناعة جديدة تعتمد على الموارد الطبيعية غير النفطية في بلادنا، رأس الخير ووعد الشمال تعتمدان على ما تنتجه مناجم (الجلاميد) ومناجم (البعيثة) من خامات الفوسفات والبوكسايت. فصناعة التعدين في المملكة صناعة جديدة، وهنا أستثني مناجم الذهب القديمة مثل (مهد الذهب) فتلك كانت محدودة الأثر الاقتصادي ومحدودة التقنية الصناعية، أما صناعة تعدين الفوسفات والألومنيوم والنحاس والمغنيسيوم فهذه صناعة جديدة لم تحدث إلا بعد إنشاء شركة معادن في عام (2006م)، بل أنها لم تبدأ في الإنتاج إلا خلال العامين الماضيين.
مقالي هذا ليس ميدان للحديث عن تلك الصناعة من الناحية الفنية والتقنية، فربما لا يهم ذلك معظم القراء الكرام، فلا شك أن تلك المصانع بنيت بأحدث التقنيات الفنية المعروفة اليوم، ولكن ما يهم السادة والسيدات هو أن تلك الصناعة وعلى حداثة عهدها في المملكة تدار وتشغل وتسوق بعقول وأيدي سعودية، نعم هناك عدد من خبراء التصنيع الأجانب وكذلك العمال الوافدين المساعدين ولكن لا يتعدى عددهم ما يمثل (30 %) من إجمالي العاملين بتلك المصانع تقريباً، كنت أتوقع وزملائي الكتاب والصحفيين المدعوين في الزيارة أن نرى أجانب -غربيين على وجه الخصوص- يديرون ويتحدثون ويوجهون، فخبرة السعوديين في هذه الصناعة في مهدها، فلا ضير من ذلك الظهور القيادي لهؤلاء الخبراء، ولكن ذلك لم يحدث حيث لم نر أحداً من هؤلاء، بل وجدنا أمامنا رئيس شركة معادن التنفيذي (خالد المديفر) ورئيس شركة معادن للألومنيوم (عبدالعزيز الحربي) ورئيس شركة معادن للفوسفات (حسن العلي) ونائب الرئيس في شركة معادن للشئون الإستراتيجية (خالد العوهلي) وعدد من مديري الإدارات ورؤساء الأقسام السعوديين في كلتا الشركتين الصناعيتين، وتحدث لنا نخبة من المهندسين والمشغلين للمصانع مثل (م. عبدالعزيزالرويلي وم. مجدل الخالدي) من معادن للالومنيوم و(م. ناصرالمسبح وم. عبدالعزيزالعنزي) من معادن للفوسفات عن تجربتهم في الانظمام لشركة معادن وما تيسر لهم من تدريب وتهيئة جعلتهم يتولون أعمالهم بثقة واقتدار. الأمر الآخر والمثير للبهجة بهذا الإنجاز لشركة معادن هو تنوع مواطن العاملين في مشروعات شركة معادن من السعوديين فمنهم من أتى من الجنوب وآخر من الشمال وآخرون من الغربية والشرقية والوسط، من مختلف مناطق المملكة مما يتيح امتزاج وتعاون وتنافس لتنمية القدرات الذاتية وتكاملها في بيئة عمل عادلة وداعمة وميسرة للتطور والبروز المهني.
ما وجدناه في رأس الخير كان حقيقة ماثلة تدمغ كل حجة بأن العامل السعودي أقل كفاءة من الوافد بحكم قلة الخبرة والتأهيل، فمؤشرات أداء كلتا الشركتين (معادن للألومنيوم) و(معادن للفوسفات) من حيث كفاءة الإنتاج والالتزام بمعايير السلامة والبيئة تفوق تلك التي تحققها الشركات المنافسة أو الشريكة لشركة معادن، هذا التميز لم يحدث صدفة ولم يحدث من تلقاء ذاته، بل حدث نتيجة تخطيط والتزام وإصرار على تحقيق الأفضل من إدارة شركة معادن ممثلة بمجلس إدارتها الموقر ورئيسها التنفيذي الفذ (خالد بن صالح المديفر)، لذا لا غرابة في أن تنال شركة معادن جائزة السعفة للقدوة الحسنة عامين على التوالي حيث تلتزم بمعايير النزاهة والحوكمة والعدالة المؤسسية.
كنت أنوي استكمال من سبق وكتبت عن البيئة المؤسسية في القطاع العام والخاص ولكن ما شاهدت في رأس الخير جعلني أغير رأي فبيئة العمل في شركة معادن هي البيئة المثالية التي يجب استنساخها في كل مؤسسة أو شركة أو قطاع عام يطمح قائده لتنمية الإنتاج وتحسين الأداء وتمكين الإنجاز وريادة التطوير ووضع العدالة المؤسسية التي تنبت الولاء والنزاهة والإخلاص.. أسأل الله التوفيق والسداد لكل مخلص في بناء مجد لهذا الوطن.