د.علي القرني
في المنتدى الخليجي الذي نظَّمه معهد التنمية السياسية بالبحرين الأسبوع الماضي، كان محور النقاش عن الهوية الخليجية، وتحديداً دور مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهناك مشاركون عديدون وفي مقدمتهم رئيس مجلس إدارة هيئة الصحافيين السعوديين رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك ومعه كوكبة من الوزراء والإعلاميين ونخب ثقافية من منطقة الخليج. وقد سعدت بحضور هذه المناسبة التي بدأت ترسخ لتقاليد مهمة في منظومة العمل الإعلامي الخليجي. وفيما يلي الحلقة الثانية في هذا الموضوع:
أشرت في المقال الماضي إلى السؤال الذي يتكرر خلال الأربعة والثلاثين عاماً الماضية: ماذا قدَّم مجلس التعاون الخليجي لمواطني المجلس، وذكرت أن كثيراً من هذه المقالات تعكس اتجاهاً سلبياً عن المجلس، ووعدت القارئ بأن أعكس السؤال ليصبح السؤال: ماذا يعني غياب المجلس في المشهد الخليجي العربي؟ وسؤالي يطرح فكرة أن نتخيل لو أننا ومنذ أربعة وثلاثين عاماً نعيش في غياب أي تنظيم خليجي مثل المجلس الحالي؟ ماذا يمكن أن نكون عليه؟
وللإجابة على هذا السؤال أطرح فكرتين (1) تخيل غياب المجلس؛ (2) الحالة النفسية للمواطن الخليجي بهذا الحضور. وحتى تتضح صورة الغياب يجب أن نتخيل ولو للحظات أن مجلس التعاون الخليجي لم يكن أبداً، ولم ينشأ، وعلينا أن نتخيل غياب المجلس، لنرى أن كل دولة من الدول الست لها سياستها الخارجية، ولها سياستها الدفاعية، ولها سياستها الاقتصادية.. وليس هذا فقط، بل كل دولة ستكون تحت تأثير القوى المناوئة لها في المحيط العربي والدولي، وكذلك لن يكون هناك فرصة حماية من دول الجوار، حيث لا توجد تحالفات تربطها مع غيرها من الدول.
وإذا استعرضنا الأحداث الكبرى في المنطقة سنجد أن حالة مثل حالة احتلال صدام حسين للكويت ربما قد تكون تكررت مع دول أخرى في منطقة الخليح، ولا سيما من قبل دولة توسعية مثل إيران. والتحالف الخليجي من خلال المجلس هو الذي أبقى دول الخليج العربية الست تحت حماية قوة دفاع مشترك لهذه الدول بعيداً عن تحالفات دول عظمى أو دول إقليمية. ولهذا فإن دور المجلس يظهر جلياً في حالة غيابه أكثر من حالة تصور حضوره. ولا شك أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية كان صمام أمان لكل دول المجلس، وبات يشكِّل قوة في منطقة الشرق الأوسط على كافة المستويات الأمنية والدفاعية والاقتصادية والثقافية.
أما الفكرة الثانية فهي حالة نفسية مهمة عزَّزها مجلس التعاون، وبدونه لا يمكن أن توجد لدى المواطن الخليجي. وهنا أسأل سؤالاً: ما هو إحساس أي مواطن من مواطني دول المجلس عندما يدخل إلى دولة أخرى في دول المجلس؟ فأنا على سبيل المثال وغيري كثير نشعر بإحساس المواطن عندما ندخل أي دولة من دول المجلس، وليس بكل تأكيد عندما ندخل إلى أي بلد آخر. فهذا الإحساس الداخلي العميق هو نتاج لدور المجلس في تأسيس مفهوم المواطنة بين جميع مواطني هذه الدول الست. وهكذا، فإن صناعة المواطنة الخليجية هي أحد أهم نتاجات المجلس، وهي نتيجة نفسية غير منظورة من خلال قرارات رسمية، ولكنها منظورة لدى المواطن الخليجي عندما يعيش ساكناً أو زائراً لبلد آخر من دول المجلس.
وما أقصده في هذا المقال والمقال السابق هو أن المجلس قد حقق الكثير غير المنظور والقليل المنظور، فيجب أن نعطي المجلس مكانته ودوره الذي يستحقه عند الحديث عن أدور المجلس خلال العقود الماضية. وهذا ما يمكن أن أطلق عليه الهوية النفسية لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي.