د. محمد بن إبراهيم الملحم
لا أدري ماذا أقول بعد أن أشرت إلى أزمة برنامج «حسن» الذي يحتاج إلى تحسين وقبله أزمة التقويم المستمر الذي يحتاج إلى تقويم، لكني متفائل (وسأظل دائما متفائلا ما وسعني ذلك) أن هناك أملاً و فرصة للتعديل، ولذلك أحاول هنا أن أقدم ثلاثة مداخل يمكن أن تعمل معاً كحزمة واحدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التقويم المستمر: التثقيف والتفويض والمحاسبية.
ولعل بعض المتخصصين يشم رائحة المصطلحات الإدارية هنا ، وهذا حق ، فإني استلهمت هذه المداخل من مبدأ أن التقويم المستمر هو نقل للسطة التقويمية بكل أدواتها وصلاحياتها من العملية الاختبارية التقليدية ذات السلطات المشتركة إلى عملية قيادية تفردية يمارسها المعلم دون أي مشاركة أو حتى احتمالية مشاركة.
وقبل أن أتحدث عن هذه المداخل الثلاثة فيجب أن أهمس في أذن وزارتنا العزيزة بضرورة سرعة إلغاء اختبار «حسّن» (لا لسوء مبدئه وفكرته ولكن لركاكة تطبيقه) فَمَـثَـلُهُ كمن لديه فكرة عن الطبخ فكلفته بذلك ولم تعد إليه إلا بعد ساعة ونصف، فإذا به قد وضع بدل الملح سكراً وبدل الصلصة عصيرا فماذا أنت فاعل؟.
أول المداخل التي أقترحها هو التثقيف حيث يهدف إلى رفع مستوى كفاءة المعلم في كيفية تطبيق التقويم المستمر على أصوله الصحيحة، والحق أن هذا الأمر قد اجتهدت فيه الوزارة وإدارات التعليم أيما اجتهاد، فطبعت الأدلة الإرشادية والأدلة الإجرائية ووزعت نماذج رائعة جداً أبدعت بعض الإدارات التعليمية في صياغتها وتنميطها بما يسهل عمل المعلم قياساً بالواقع المتواضع الذي بدأت به التجربة، وأود أن أشكر جميع المخلصين والمخلصات من المعلمين والمشرفين والمعلمات والمشرفات الذين تمثلوا دورهم الوطني في النهوض بالتعليم وأدواته دون النظر إلى دعم الوزارة (أو حتى تقديرها أحياناً) فقدموا أدلة رائعة مميزة اطلعت على كثير منها منشورة عبر مواقع بعض إدارات التعليم وبعض المنتديات، وأرى أنها لا تقل جودة عما اطلعت عليه من أدلة مماثلة لتنميط التقويم المستمر في الدول الغربية، كما أسهمت البرامج التدريبية المكثفة والمتعددة التي أجرتها الوزارة وإدارات التعليم إسهاماً كبيراً في تحسين الفكرة وتصحيحها لدى طائفة من المعلمين (والمشرفين) فرجع من كانت لديهم أمانة المهنة إلى الأسلوب الصحيح ومارسوا التقويم المستمر كما ينبغي له، أما البقية فهم وإن فقهوا المطلوب منهم إلا أنهم فضلوا «التطنيش» والمضي في فهمهم الأعوج الذي بدأت به الممارسة، لأنه يوفر لهم طريقة سهلة للعملية التدريسية دون ما يتطلبه هذا التقويم المستمر من العمل المستمر والمتابعة الحثيثة والدقة والانضباط الذي هم في غنى عنه.
إذن نستطيع أن نقول إن عنصر التثقيف طبق جانباً معقولاً منه لكني أرى أن صعوبة الأمر (بإصلاح ما فسد) تقتضي المزيد، ولكن هذه المرة بأسلوب الحملات الإعلامية الممنهجة التي تقوم على جرعات مكثفة متواصلة لأمد طويل، الأمر الذي سيحقق ثلاثة مصالح أساسية: الأولى جذب مزيد من المعلمين (وبخاصة المستجدون) إلى ساحة التطبيق الفعال، والثانية تغيير القناعات من خلال تكرار الرسائل الإعلامية خاصة عند مزجها بالقيم والحس الوطني، أما الثالثة فإن ظهور حملات مكثفة من شأنه أن يخلق شعوراً عاماً لدى جمهور المتلقين بأهمية الموضوع وخطره العظيم على الأجيال، وهو ما يؤسس لبقية المداخل التي أقترحها (التفويض والمحاسبية) والتي سأتحدث عنها في المقالة القادمة بإذن الله.