أ.د.عثمان بن صالح العامر
ربما لم يمر في تاريخ المملكة المعاصر أن صار الشعب بهذا الحضور التفاعلي والنقد الصريح والشفافية والوضوح، في ممارسته تقويم الأداء وحين مخاطبة المسئول مثل ما هو حادث اليوم، وهذا ينمّ عن وعي القيادة بأهمية النقد البنّاء من أجل الاستمرار بخطوات التطوير التي ينتظرها الجميع، كما أنه يبرهن في ذات الوقت على وعي الطبقة المثقفة بدورها الأساس في المشاركة الحقيقية من أجل الوطن وفي سبيل تقدمه.
وحتى لا يفهم من كلامي التعميم، يبقى تحفظي على أنّ هذا القول ليس على إطلاقه ولا يمكن أخذه على عواهنه، إذ إنّ هناك من الخروقات والتجاوزات، والكيد والمكر، والتهويل والمبالغة، والقول بلا برهان ولا دليل، والاتهام الصريح الواضح من أجل التشويه والتجريح، والتعريض بالمؤسسة أو الفرد من أجل هوى في النفس أو لمصلحة شخصية تحت ستار المصلحة العامة والوطنية الصادقة الشيء الذي لا يخفى، ولكن لا يعني هذا إغفال وتجاهل ما يمكن اعتباره رقابة شعبية ناضجة إزاء إيقاع الحياة اليومي بكل تفاصيله وبجميع أبعاده، سواء داخل أروقة الدوائر الحكومية، أو في منظومة مؤسسات القطاع الخاص، أو حتى حين إمعان النظر في السلوكيات الشخصية والمجتمعية التي تتنافى ومنظومة القيم والعادات والأعراف التي تعدُّ مكونًا أساسًا للهوية السعودية.
لقد سجّلت الرقابة الشعبية حضوراً إيجابياً في غضون الأسابيع القليلة الماضية، وكشف العديد من المغردين - من خلال متابعتهم ورصدهم الموثّق والمبرهن - تقصير عدد من المؤسسات ذات الصلة المباشرة بخدمة المواطن والمقيم، بل إنّ البعض منهم في ثنايا ما كتبه عمّا يمارس من فساد في مؤسسة ما، تساءل عن سبب غياب الدَّور الرقابي للوزارة المعنية بحماية المستهلك.. الجديد واللافت للنظر أنّ الوزراء صاروا يتابعون ويتفاعلون ويردّون، وعلى سبيل المثال لا الحصر وزير العمل والتنمية الاجتماعية معالي الدكتور مفرج الحقباني ، ووزير الصحة معالي الدكتور توفيق الربيعة، ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية معالي المهندس خالد بن عبد العزيز الفالح، ووزير التجارة والاستثمارات معالي الدكتور ماجد بن عبد الله القصبي، وقد يؤكدون - في تعقيبهم على ما يكتب - صحة ما قيل، إذ لم تَعُد اللغة السابقة المعروفة - أنّ كل شيء على ما يرام - هي اللغة السائدة في خطابات المسئولين، على افتراض حدوث التفاعل والتجاوب منهم والتعقيب على ما يقال فيما مضى، خلاف الحال اليوم كما أشرت أعلاه .
إنّ هذا التغيّر الذي سهّلته وسائل التواصل الاجتماعي، وفرضته الظروف والمعطيات الجديدة، وباركه ودعّمه توجّه القيادة الحكيمة، وأبدع في نسج خيوطه ووضع لبناته جمعٌ من المثقفين الذين يحملون همّ الوطن ويعرفون أهمية النقد البنّاء ويقدرون للكلمة قدرها، فلا يرمون التُّهم جزافاً، ولا ينساقون وراء كل ناعق، بل يستوثقون أولاً ثم يدوِّنون ما يمليه عليه واجبهم الديني، وتفرضه مواطنتهم الصالحة بكل إخلاص ومصداقية وموضوعية وتجرد وحيادية دون مبالغة أو تحريف وتزييف وادّعاء، وجزماً متى ما كان النقد صادقاً وبنَّاء فسيكون عاملاً أساسًا من عوامل تقليل مساحة الفساد وتخفيض فاتورة المتابعة والمراقبة والرصد،،،
دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.