نجيب الخنيزي
«في العام الماضي، اعتمد زعماءُ العالم خطةَ التنمية المستدامة لعام 2030 كرُؤيةٍ لتحويل مسار التنمية للسنوات الخمسَ عشرةَ القادمة لبناء مستقبلٍ أكثر سلاماً وازدهاراً واستدامةً وشمولاً. وتُؤكِّد الخطةُ أنّ الشّابّاتِ والشبّانَ هم عواملُ حاسمةٌ للتغيير، ودورهم مِحوَريّ لتحقيق التنمية المستدامة. ويُعبِّر عن هذا التأكيد بقوّةٍ تقريرُ التنمية الإِنسانية العربية للعام 2016 الذي يتزامن نشرُه مع شروع البلدان في إعداد خُططَها لتنفيذ خطة 2030؛ إِذْ يدعو الدُّولَ العربية إلى الاستثمار في شبابِها، وتمكينِهم من الانخراط في عمليّات التنمية» من مقدمة التقرير الذي كتبته مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك.
استضافت الجامعة الأمريكية في بيروت الثلاثاء الماضي (29 نوفمبر 2016)، إطلاق التقرير السادس لعام 2016 في سلسلة تقارير التنمية الإِنسانية العربية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وشكّل الشباب القسم الأكبر من حوالي 200 من المشاركين في حفل الإطلاق من مختلف أنحاء المنطقة، كان من بينهم عدد من الطلاب، والأكاديميين، وممثلي المجتمع المدني، والمنظمات النسائية، والمسؤولين الحكوميين، والبرلمانيين، وكذلك القطاع الخاص ووسائل الإعلام.
كشف هذا التقرير الذي جاء تحت عنوان «الشباب وآفاق التنمية الإِنسانية واقع متغير»، التحديات والفرص التي تواجه الشباب في المنطقة العربية، خصوصاً منذ تحركات عام 2011. وقدم التقريرُ حُجَّتَين رئيسيَّتَين للاستثمار في الشبابِ في المنطقة: الأُولى، أنّ ما يقارب ثلثَ سكّان المنطقة هم من الشباب في أعمار 15 - 29 سنة، وهناك ثُلثٌ آخر يَقلُّ عمرُهم عن 15 عاماً ، وهو ما يضمن استمرار هذا الزخْمُ السكّاني إلى العقدَين القادمَين على أقل تقدير، ويُوفِّر فرصةً تاريخية يتحتّم على البلدان العربية اغتنامُها. ثانياً ، يُؤكِّد التقريرُ على أنّ موجةَ الاحتجاجات التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية منذ العام 2011، وكان الشبابُ في طليعتها، قد أفضت إلى تحولاتٍ كبيرة عبرَ المنطقة كلِّها. فشهدت بعضُ البلدان وضع دساتيرَ وطنيةً جديدة، وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة، وتوسيعَ نطاق المشاركة العامّة لمجموعاتٍ كانت مستبعَدةً في السابق. لكنْ في بلدان أُخرى، واجهت التوازنات الحاكمة التي طالما حافظت على الاستقرار تحدِّياتٍ خطِرة أسفرت عن نزاعات استطالَ أمدُ العديد منها وفي بعض منها تحولت إلى نزاعات وصراعات وحروب داخلية عمقتها التدخلات الإقليمية والدولية. ويُشدِّد هذا التقريرُ على أنّ تمكينَ الشباب وإشراكهم في هذا المنعطف الهامّ من تاريخ المنطقة أمران حيَويّانِ لوضْع أسس جديدة وأكثر استدامةً للاستقرار. تطرق التقرير إلى كون شبابُ المنطقة يشتركون في معاناتهم من واقع التنمية الإِنسانية، وإنْ بدرجاتٍ مختلفة. فهُم يشعرون بقلقٍ عميق حيال مستقبلهم، ويسيطر عليهم إحساسٌ دفينٌ بالتمييز والإقصاء، ولا يُحصّل جزءٌ كبيرٌ منهم تعليماً جيّداً أو عملاً مقبولاً أو رعايةً صحيّةً مناسبةً، ولا يمتلكون تمثيلاً كافياً في الحياة العامة ولا كلمةً مسموعةً في تكوينِ السياسات التي تُؤثِّر في حياتهم. وتزداد هذه المعاناةُ تفاقُماً بالنسبة إلى الشابّاتِ تحديداً ، بسبب انعدام المساواة واستمرار الفجوة في تمكين المرأة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على الرغم من بعض الإنجازات التي تحقَّقت في عددٍ من البلدان.
ينبه التقريرُ إلى أنَ سياساتِ وممارساتِ الإقصاء في مختلف المجالات، وعدمَ كفاية الحماية الموفَّرة للحريات العامة وحقوق الإِنسان، وضعفَ التنافُسية الاقتصادية، والتقصيرَ في إرساء دعائم الحُكم الرشيد، ولاسيَّما في جوانبه المتعلقةِ بالشفَّافية والمساءلة، تُهدّد مستقبلَ الشباب وآفاقَهم بشكلٍ متزايد. وتستقطب هذه العواملُ بعضَ الشباب إلى مواقعَ معرقلةٍ للتنمية، بما في ذلك إيديولوجياتُ التطرُّف العنيف؛ خصوصاً في ظلّ ما تشهده بلدانٌ عدّة من تعاظمٍ في وتيرة النزاعات، وهشاشةِ مؤسسات الدولة، واختلالِ العلاقة بين السلطة السّياسية والقوى المجتمعية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيجري العمل من قبل الجهات الرسمية والمدنية المعنية بالتنمية المستدامة في المنطقة العربية، على تفعيل وترجمة ما جاء في هذا التقرير الهام من توصيات وأهداف أم سيكون كسوابقه مصيره الدرج أو سلة المهملات؟