د.عبد الرحمن الحبيب
طالب اثنان من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، بتعديل قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» (جاستا) الذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة دول أجنبية، كي لا يُسمح بمقاضاة حكومة أجنبية إلا في حال تعاملها «عن عمد» مع منظمة إرهابية.
ينص التعديل المقترح على التالي: «حين يتعلق الأمر بالإرهاب، عندما يسلب كيان إرهابي أرواح الأبرياء، فالحالة الوحيدة التي يمكن فيها مقاضاة هذا البلد هو إذا كانت الدولة الأجنبية شاركت عن عِلم بتمويل أو رعاية الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر.»
هذا التعديل كان متوقعاً، إذ طُرحت الفكرة في الكونجرس أثناء الجدل الذي ظهر عقب صدوره مباشرة. المطالبة بالتعديل جاءت من السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام رئيس الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، وجون مكين أحد أشهر الزعماء التاريخيين للسياسة الخارجية بالكونجرس. إذن، مقترح التعديل يأتي من قادة الأغلبية الجمهوريين بالكونجرس، كما أن المعترضين على جاستا كانوا من الديمقراطيين، وبالتالي من المتوقع التصويت لصالح تعديل قانون جاستا..
وكان المستهدف من قانون جاستا هي السعودية على خلفية هجمات 11 سبتمبر، رغم أن نص قانون جاستا لا يتطرق لأحداث 11 سبتمبر ولا للسعودية، إلا أن سياق صدور هذا القانون يوحي ضمناً بذلك لأنه تزامن مع الذكرى السنوية 15 لأحداث سبتمبر، ويأتي استجابة لدعاوى فردية مدنية ضد المملكة..
ماذا يعنينا تعديل قانون جاستا؟ من الناحية العملية المباشرة فإنه ببساطة يعني فك ارتباطه بالسعودية، لأن هذا التعديل يحدد أن تكون حكومة الدولة الأجنبية مسؤولة عن عمد بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما لم يكن محدداً في قانون جاستا الذي تركها مفتوحة دون تمييز بين أفراد من دولة معينة قاموا بعمليات إرهابية وبين حكوماتهم التي لا علاقة لها بأعمالهم، مما يمكن أن يورط السعودية - بشكل ظالم - مع أفراد قاموا بهجمات إرهابية.. مع أن السعودية من أكثر من يتعرض لهذه الهجمات، والسعودية من أكثر البلدان محاربة للإرهاب..
ومن ناحية أخرى، فقانون جاستا لم يميز ممارسة الدولة لحقها الطبيعي في مهاجمة من يعتدي عليها، ويؤدي عرضاً، بشكل غير مقصود، لسقوط ضحايا مدنيين أبرياء، وبالتالي فأمريكا أول دولة في العالم يمكن أن تتورط بالاتهام. لذا سبق أن حذر السيناتور غراهام من أن أمريكا ستكون أكثر من يدفع تبعات جاستا لو طبق. كما سبق أن أقر رئيس مجلس النواب الأمريكي بول ريان بأن جاستا يحتاج لتعديلات..
إذا كان تعديل جاستا متوقعاً، فإن سرعة طرحه لم تكن متوقعة. هذه السرعة تعود لعدة أسباب، لعل أولها هو نهاية حمى انفعالات الحملات الانتخابية لأن بعض النواب صوَّت لجاستا لأهداف انتخابية خشية فقدهم لمقاعدهم إذا وقفوا ضده وكأنهم أمام ناخبيهم يقفون ضد حقوق عائلات ضحايا 11 سبتمبر. أضف لذلك أن بعض النواب لم يكن على دراية كافية بعواقب هذا القانون كما صرح المتحدث باسم البيت الأبيض مرارا.. لكن البيت الأبيض رغم أن رئيسه وضع فيتو ضد جاستا، فلم يثابر بتوضيح وجهة نظره كما قالت زعيمة الغالبية الديمقراطية وغيرها من النواب الأمريكان.
كذلك كان هناك دور إيجابي في مهارة العمل الدبلوماسي السعودي الهادئ الحصيف مع الجهات المشرعة والتنفيذية، وأيضاً مع المؤسسات المالية.. كالتفاهم مع كبار قادة الكونجرس مثل جون مكين، والتفاهم مع الإدارة الأمريكية.. هذا العمل الهادئ لم يتأثر بالاستفزازات الشعبوية التي ظهرت من منفعلين في الإنترنت مطالبة بتصعيد الموقف مع أمريكا ومجابهة جاستا بطريقة عدائية..
وبالأساس، من الناحية القانونية المحلية بأمريكا، فقانون جاستا تعتريه تشوهات قانونية تشكل عوائق إجرائية لرفع الدعوى يصعب تجاوزها في القضاء الأمريكي حسب خبراء القانون الأمريكي (ستيفن فلادك). من ناحية القانون الدولي فقانون جاستا، باتفاق الخبراء، يخالف ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي. ومن ناحية السياسة الدولية فهو يربك القواعد المستقرة للعلاقات بين الدول، وبالتالي يضعف الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب، بل يحقق مساعي المنظمات الإرهابية في تسميم العلاقات الدولية المستقرة..
إذا تم إقرار تعديل قانون جاستا، فإنه سيُجلي مسألة دعم الدول للإرهاب بشكل معقول، ليكون أكبر المتضررين هي الدول الراعية للإرهاب فعلاً وبمقدمتها إيران التي تتعرض لعقوبات متنوعة في التشريع والقضاء الأمريكيين، حيث سبق - ولا يزال - إدانتها حتى من المنظمات الدولية، بوجود أدلة دامغة واعترافات قطعية ممن قاموا بأعمال إرهابية بدعم وتوجيه مباشر من إيران.
أثناء الدعوة لتعديل جاستا ذكر جراهام، بكلمته الأخيرة أمام مجلس الشيوخ: «كل ما نقوله لأي حليف للولايات المتحدة هو أنه لا يمكن مقاضاتك في الولايات المتحدة عن عمل يتعلق بالإرهاب ما لم تشارك فيه عن علم وأن نفس الشيء ينطبق علينا في بلدكم.» إنه، ببساطة، عودة للعقلانية البراجماتية بعد الانفعالات العاطفية للحملات الانتخابية..
في كل الأحوال، هناك مرجعية قانونية دولية عند الخلاف بين الدول كمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والمؤسسات المتفرعة من هيئة الأمم المتحدة، وليست القوانين المحلية.. فلا يمكن أن تُخضِع القوانين الدولية لقوانينك المحلية..