محمد بن فهد العمران
في نهاية شهر سبتمبر الماضي (أي قبل نحو شهرين من الآن)، كان العائد على سندات الحكومة الأمريكية لعشر سنوات عند مستوى 1.55 % ثم بعد ذلك ارتفع العائد بشكل مفاجئ وجنوني ليصل الآن إلى مستوى 2.40 % مما يعني أن سندات الحكومة الأمريكية شهدت انهياراً بأكثر من 35 % من قيمتها السوقية وذلك خلال شهرين فقط!!! وهذا بالطبع أمر غريب لم يسبق حدوثه بهذا الشكل الدراماتيكي إلا خلال الأزمات المالية الخطيرة وخصوصاً أن الاقتصاد الأمريكي يعيش حالياً استقراراً و نمواً عزّزته حالة التفاؤل بين أوساط المستثمرين التي ظهرت ذلك جلياً في أسواق نيويورك وناسداك المالية مؤخراً.
حتى نفهم مسببات هذا الهبوط الحاد في قيمة هذه السندات، يجب أن نضع في الحسبان وجود تزامن لهذا الانهيار مع تمرير الكونغرس الأمريكي بتاريخ 28 سبتمبر الماضي لقانون «جاستا» المثير للجدل والذي أفقد ثقة غالبية دول العالم بالسندات الأمريكية على اعتبار أنها كانت الملاذ الآمن الأبرز لاستثمارات جميع الدول، يضاف إلى ذلك تزامن هذا الانهيار مع فوز السيد ترامب بانتخابات الرئاسة في ظل تضمن برنامجه الانتخابي لتهديدات صريحة ضد عدد من دول العالم، مما يدل على أن الذي حدث هو تسابق دول العالم مع بعضها البعض ببيع استثماراتها في سندات الحكومة الأمريكية قبل تاريخ استحقاقاتها ولو كانت النتيجة تحقيق خسارة كبيرة خوفاً من بدء تطبيق قانون جاستا على أي دولة ولأي سبب من الأسباب.
المشكلة أن المتوقع مستقبلاً تخفيضات واسعة في ضريبة الدخل على الأفراد والشركات وهي التي تشكل أهم مورد مالي للإيرادات الحكومية مما يعني أن عجوزات الموازنة قد تشهد مزيد من التفاقم في المستقبل القريب، وحتى تنجح في تغطية هذه العجوزات فالحكومة الأمريكية حتماً ستجد نفسها مضطرة لزيادة إصداراتها الجديدة من السندات بينما من كان يحرص على شراء هذه السندات هو الآن يبيعها وبخسارة كبيرة، وهنا يبرز السؤال المهم: من سيشتري سندات الحكومة الأمريكية في إصدارتها الجديدة؟ وماذا لو لم يتم تغطيتها؟ ويا ترى ماذا سيحدث للعائد على السندات الجديدة؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام الحكومة الأمريكية للتعامل مع هذه التحديات المعقدة؟
بغض النظر عن فقد الثقة بسبب قانون جاستا، إلا أن المؤشرات تدل على أن الاقتصاد الأمريكي هو في مرحلة خطيرة بسبب ارتفاع الدين الحكومي من طرف وارتفاع أسعار الفائدة من طرف آخر وهذا سيرفع عليهم تكلفة الدين مستقبلاً وبالتالي قد يدخلهم في «دوامة» تفاقم عجوزات الموازنة، ويدعم ذلك أن الاتجاه العام للعائد على السندات هو في ارتفاع مستمر وهذا قد يرغم صانعي السياسة النقدية هناك على رفع أسعار الفائدة بمعدلات أكبر من التوقعات وبوتيرة متسارعة، والمشكلة الأبرز أن ارتفاع أسعار صرف الدولار أمام العملات الرئيسية العالمية سيجعل من قرار شراء السندات الأمريكية أكثر تكلفة من السابق وهذا بدوره يجعلنا نكرر التساؤل المهم: من سيشتري سندات الحكومة الأمريكية؟