فضل بن سعد البوعينين
استشعر قادة الخليج، رحمهم الله، ومع اشتعال الحرب العراقية الإيرانية حجم المخاطر التي قد تتعرض لها دولهم فسارعوا نحو إنشاء مجلس التعاون الخليجي ليكون نواة التعاون والدفاع المشترك وقاعدة البناء الاقتصادي والتنموي.
لم يكن تحقيق التوافق على المجلس هيناً آنذاك، بل مر بمراحل صعبة أمكن التغلب عليها بحكمة القادة، وتقديرهم لمآلات الأمور. برغم أهمية المجلس وفق تنظيمه الحالي، ومكتسباته السياسية والاقتصادية، إلا أن استمرارية هيكله دون تطوير يعني تقلص أدواته وقدرته على مواجهة المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية، والمتغيرات الدولية. فالأخطار المدلهمة باتت تحيط بدوله من كل جانب، وهي وإن بدت واضحة جلية لبعضها، تتوارى عن بعضها الآخر خلف إستراتيجية (التقية والمهادنة) والوعود الوردية التي ينتهجها الغرب، والتي أشبه ما تكون بالجمرة الحمراء الكامنة تحت بالرماد، تنتظر هبوب الرياح المواتية لتشعل نارها المستعرة التي لن تبقي ولن تذر.
تنعم دول الخليج باستقرار أمني واقتصادي وبحبوحة من العيش، وهو أمر قد لا يدوم إذا لم تهتم بتحصين نفسها من الأخطار المتوقع حدوثها مستقبلاً. نحن لا نتحدث عن توقعات بل عن وقائع كادت أن تعصف بدول المنطقة. فمملكة البحرين أوشكت أن تضيع بين ليلة وضحاها، بعد أن كاد لها الغرب، وأطلق يد الصفويين للعبث في أمنها الداخلي، سعيًا وراء قلب نظام الحكم، وإعلان جمهورية إسلاميَّة تابعة لإيران.
انكشاف مملكة البحرين على المخطط الأمريكي الصفوي ليس إلا حلقة من حلقات المخطط الإستراتيجي الذي وضعه الغرب لجميع دول الخليج وليس البحرين فحسب. يجب أن نعترف أن البحرين كانت الأكثر تسامحاً مع مكونات المجتمع، وانفتاحاً على المعارضة، ما هيأ للمعارضين البيئة الخصبة للسيطرة على مجلس النواب، غير أن نتائج الديموقراطية الإيجابية لم تكن كافية للانقلابيين المدعومين من الخارج، فالهدف هو السيطرة على الدولة والتحكم فيها، وتحقيق هدف التبعية التامة لإيران. انكشف المخطط الغربي، والأمريكي على وجه الخصوص ورد الله كيد الانقلابيين في نحورهم وأفشل المخططات الغربية الصفوية، بقدرته ورحمته. ما حدث في البحرين قد يحدث في بعض الدول الخليجية، وفي مقدمها الكويت، فالتغلغل الصفوي بات واضحاً لكل من رزقه الله البصيرة. نجح النظام الصفوي في غرس عملائه في بعض دول الخليج، وأوصلهم المؤسسات البرلمانية ليُشكّلوا طابوراً خامساً يتحدث بالنيابة عن إيران لا وطنهم الذي احتضنهم. التغلغل الصفوي وصل مرحلة لا يمكن التعامل معه بسهولة ويوشك أن يغرق بعض دول الخليج في مستنقع الفوضى، وهو أمر لن تتوقف انعكاساته على الدولة المنكشفة فحسب بل ستطال جميع الدول الأعضاء الأخرى ما يستوجب التحرك الاستباقي لمواجهته.
لم تعد الظروف المحيطة كما كانت سابقاً، فدول الخليج تُواجه بتهديدات مباشرة، ومخططات مشؤومة قد تُؤدِّي إلى تقويض أمنها واستقرارها وتدمير اقتصادياتها وإعطاء الدول الكبرى عذرًا للسيطرة عليها، وعلى ثرواتها، وتفتيتها كما حدث للعراق وسوريا.
بلغ مجلس التعاون الخليجي، بتنظيمه الحالي، مرحلة التغيير الحتمية، ما يفرض على أعضائه ضرورة الانتقال إلى مرحلة متقدمة من الاتحاد، وهو النموذج الأمثل الذي يحقِّق أمن واستقرار دول المنطقة وازدهار اقتصادياتها والمحافظة على مقدراتها، ويتوافق أيْضًا مع متطلبات العصر الحديث الذي تسيطر عليه الكيانات والاتحادات القوية لا الدول الضعيفة. لم يعد الاتحاد الخليجي خيارًا ضمن الخيارات المتاحة، بل ضرورة تفرضها الحاجة، ويعززها الأمر الواقع، ومتطلبات البقاء والاستدامة.
الاتحاد هو خط الدفاع الأول لأعضاء المجلس الحالي، تفرضه الحاجة الملحة في الجوانب السياسية، الأمنية، الاقتصادية والمجتمعية، وهو ما ننتظر من قادة دول الخليج الدفع نحوه وتحقيق متطلباته وإقرار مبادئه. معارضة بعض دول المجلس أو تحفظها يجب ألا تحول دون تحقيقه، فالحاجة الملحة تفرض خلق الاتحاد الخليجي بمن وافق على قيامه لضمان تشكيل النواة والكيان القادر على استيعاب الدول الرافضة له مستقبلاً.