د. خيرية السقاف
لا يخشى العدو من خصمه أمراً أكثر من أن يعلم قوة جانبه, وشدة عضده, وإمكان لحمته..
والمتربصون بعداء للعرب عامة, ولدول الخليج خاصة كثرٌ, يتفقون, ويختلفون, يقربون, ويبعدون, يظهرون, ويتوارون, أشداء بمفردهم, وأقوياء بتضافرهم.. يتفقون ويختلفون لكنهم على الطمع في دول الخليج يتفقون..!
ومن بدهي الحديث أن نذكرهم هنا, فحتى الصغير الغر بات يعرفهم, ويدرك نواياهم, ويعلم خفاياهم, ويلم بأساليبهم, ووسائلهم, وأسلحتهم..!
غير أن اللحظة التي تحرك فيها موكب الإخاء من الرياض, هي لحظة الانتصار, وتجلي المكانة, لحظة شد السارية نحو الجيران الأهل, لحظة تقريب الخطوات في تبادل القدمين بين هنا, وهناك, لحظة تحجيم المسافات لتكون البعيدة منها, والشاسعة, والبر فيها, والبحر نقطة الدائرة في لحمة الجسد الواحد..!
ما ظهر للعيان بهذا, وعلى مرأى من عيون العالم بأجمعه تحقق جلياً في نسيج موشى بالفرح, والشعر, والأهازيج, في البيت الواحد, الصغير فيه يوقر الكبير, والكبير يهش للصغير.
متحللين من المراسم, معلنين الرسالة لكل العالم..!!
هذه اللحظة جاءت بحنكة, وبُعد فكرٍ متزامنة مع حشود المعتدين على الحدود, وعن بعد, والطامعين بنواياهم ومقاصدهم, والمحاربين بشتى أنواع الحرابة, قريبون حد التراب بالتراب, والماء بالماء, وبعيدون من وراء المسافات, من يدسون السلاح في البضاعة, والسموم في الأخشاب, والمكر في السُكر, ويرتدون الأقنعة الموشاة, أو يسفرون عن الأنياب..!
هذه اللحظة بوقٌ ارتفع وامتد مداه لآذانهم, وهي سد لنواياهم, ومقصلة لمكرهم, ورسالة ليعودوا أدراجهم قليلاً, أو كثيراً فيتفكرون في الدرس, الذي تقول تفاصيله لهم: إن الهزائم ليست في عتاد تعوضه المصانع, وتبذل له الأموال, ولا في مقدرات تعيدها بناءً السواعد, والعزائم, ولا في أرواح تشرئب لجنان الشهادة فداء للوطن, وتطهيراً لزواياه, وإنما الهزائم هي أن تتكشف للعالم القوى الكبرى على حقيقة غاياتها التوسعية, ونواياها التدميرية, وسعيها لشتات البشر لحساب مصالحها, بينما الأرض المتسعة بكرويتها لن تكون يوماً للمفسدين, ولا للمحتلين, ولا للمعتدين, ولا للطامعين, ولا للباثين سمومهم في عروق الجاهلين, ولا لمن يجتمعون على مصالحهم وحين تتعارض يختلفون, إنما عمارها اليقين يكون على أيدي من يسعون لسلامها, ويتكاتفون لسعادة من يدبون فوقها, مهما كانت الحيثيات, وطالت الأوقات, وتعاقبت الأزمات..
العتاد اليقين, هو قوة الجانب, ووحدة الهدف, وشدة العضد, وإمكان اللحمة..
فالقوة الذاتية هي الثقة في الله, وفي الموقف, وفي النفس, لا تهزمها قوة مهما تبدت, وإن موكب الرياض وهو يتجه للحمة الأخوة, والعضد, والجانب, إنما هو يوغل بمغزله في الجسد, بمد لحمته بخيوط التمكين لنسيجه الواحد..
في احتفالية الانتصار على رياح الدوامة العارمة في هذا العالم الذئبي, الاحتفالية الذكية بعزيمة الفكرة, وخطوة التنفيذ.
ولن تخيب النية، ولن تفشل الإرادة, ولن ينسى المتربصون الدرسَ هذا أبداً..