تاريخُ الطائف العريقِ دليلٌ على دوره عبرالعصور في كافة المجالات، ومنها المجال المعماري والعمراني ليشمل عناصر التراث المتنوع، مما يعكس عراقته كأحد مواقع الاستيطان في الجزيرة العربية، حيث يوجد بها أكثر من 25 مسجداً أثرياً، وعشرات السدود الحجرية، والآبار والقرى التراثية، والقلاع والحصون والبركوالمباني القديمة، مما يعكس بكل وضوح ما تتميز به مدينة الورد من مميزات فريدة تمثل نموذجاً حياً للمدينة العربية الإسلامية في عراقتها، وأصالتها وتطورها.
يقول ناصر خسرو في رحلته عام 422هـ (الطائف موضع أكبر من القرية ودون المدينة ولها سور محكم وسويقة صغيرة، وجامع متوسط الحجم، ويقع القبر في حافة المدينة وبنى الناس حول الجامع منازل كثيرة).
ويعد المسجد نواة المدينة الإسلامية والذي كان يضم الحرم والصحن والمحراب، والمنبر والمئذنة، والقبة وبجواره بئر.
وهنا نستعرض مساجد الطائف القديمة والتي تعبر عن الحضارة والتطور وزخرفة البناء.
مسجد عبدالله بن العباس
يعد مسجد عبدالله بن العباس من أشهر مساجد مدينة الطائف وأنشئ عام 592هـ أيام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء العباسي، وسمي بذلك لأنه يقع بجوار مقبرة حبر هذه الأمة وفقيهها الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما الذي تنبأ رسول الله بموته ودفنه في الطائف.
يقول المؤرخ عيسى القصير: «أحب ابن عباس التنقل بين الشام والمدينة المنورة والطائف لنقل العلوم الدينية وتعليمه اللناس إلا أنه أحب الطائف لقربها من مكة المكرمة، واستقر بها حتى وافته المنية عام 68هـ، ودفن بها في الجهة التي تقع أمام مصلى النساء حالياً، وهي مسورة بالزنك، وبني بعد ذلك المسجد حوله وسمي باسمه».. ويقع بجوار قبر ترجمان القرآن، قبر الإمام محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، الأخ غير الشقيق للحسن والحسين، وهناك بعض الروايات التي تؤكد أن هناك قبراً ثالثاً لعبدالله بن رسول الله، الملقب الطاهر الطيب الذي دفن هو الآخر هناك.
ووصفه أحد الرحالة بقوله: بناية قديمة بيضاء اللون لها قبتان وتتصف بالانسجام الكامل.
وقال العجيمي: إنه مشتمل على أربعة أروقة ومنبر خشب فيه عشر درجات وله ثلاثة أبواب في عام 1047هـ أمر أمير الحج المصري رضوان بتبييض قبة المسجد وبناء منارة على بابه.
ومسجد عبدالله بن عباس الحقيقي يقع اليوم في المثناه في سفح جبل المدهون من شرقه، وقد وقفت عليه في طلعة صعبة المسلك بجواره مبانٍ قديمة لقصور أثرية مهجورة، كما تحيط به النفايات من كل مكان ولم يهتم به سوى لوحة تعريفية قديمة للجنة التنشيط السياحي؛ وهو مبنى مستطيل الشكل به حوش خارجي مغلق مبني بالحجارة.
جاء في كتاب مدخل إلى الآثار الإسلامية نقلاً عن الشيخ محمد سعيد آل كمال: يقال أنه مسجد ابن عباس إلا أن البعض من المدعين للعلم أشاعوا في الطائف أن مسجد ابن عباس المعروف في الطائف ليس هو الموجود بقرية الهضبة والمعلوموالمعروف للجميع وإنما هو هذا المسجد الذي بالمثناة وهذا غير صحيح وقد وجدت بأوقاف الطائف أن حاكم الحجاز آنذاك الشريف عبدالمطلب بن غالب سنة 1216هـ أوقف بستان البهجة المشهور وستة دكاكين في الطائف في علو قرية الهضبة وما يعرف اليوم بحي أو محلة فوق وستة بساتين في الوهط على مسجد الخبزة وهذا المسجد.
مسجد عداس
وغير بعيد من مسجد الكوع وداخل بساتين المثناه الغربية يقع مسجد عداس وهو مسجد صغير تم تجديده حديثاً وينسب إلى عداس الغلام النصراني مولى عتبة بن ربيعة والذي كان له مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند قدومه الطائف قصة مشهورة مذكورة في كتب السيرة.
وأنت مصعداً على يمين الوادي يقابلك في وسط مزارع الأشراف آل غالب المسجد المنسوب لعداس وجدد قبل بضع سنوات، وتحيط به مبان قديمة ومدخل ضيّق مبني باللبن والطين، في دروب صعبه مغلقة من كل الاتجاهات تصل إليه بعد أن تتجاوز مزارع وأشجار وقصور شعبيه.
وعداس غلام قدم الطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قفل عائداً من الطائف بعد أن واجه صنوفاً من التكذيب والأذى والحذف بالحجارة، جلس يسترح في بستان؛ فجاءه غلام اسمه عداس وكان من نينوى فلما ذكر له أنه من نينوى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه بلاد أخي يونس بن متى.... الحديث.
والشاهد أن عداس أسلم وأحضر للنبي صلى الله عليه وسلم بعض الطعام.
مسجد المدهون أو القنطرة أو قابل
وهذه كلها مسميات وردت لهذا المسجد فيسمى المدهون نسبة للجبل الذي المسجد بجواره، فالمدهون هو رجل كان يقطن في هذا الجبل أما القنطرة فهي عبارة عن قنطرة ماء تعبر من فوقها عين المثناة وسيل وادي وج من تحتها، كما يسمى مسجد قابل لأن بجوار هذا المسجد مزرعة لآل قابل وأهل هذه المنطقة هم الأشراف الشنابرة وكلاء عن أخوالهم آل غالب في مزارعهم، وكذلك بعض الحمدة من ثقيف و طويرق، وقريش.
والمسجد محاط بسور حديدي كحماية له وبجواره منارة رائعة تصل إليها بواسطة درج حلزوني حجري، ومئذنة اسطوانية.. وتحتها غرفة مقسمة استعملت لقراءة القرآن والدروس الدينية.
قال عنه الباحث التاريخي سعد الجودي إن من أبرز ما يميز مدينة الطائف أنها ظلت منذ عصور تتربع تاريخياً وتتميز بفضل مكانها الإستراتيجي واهتمام جميع الملوك والأمراء بها من أصل التاريخ وجذوره، ومن أبرز تلك الآثار مسجد المدهون، أو بالأحرى مسجد القنطرة، حيث اختلف في تحديد اسمه فمن نعته بالمدهون جعل سبب ذلك نسبة للجبل الذي بني المسجد بأسفله، وهناك من جعل تسميته بالقنطرة لوجود قنطرة ماء أمام هذا المسجد.
ويعلل الجودي أن الأول هو الأرجح والأشمل بسبب ظهوره للعيان ويمتاز بظهور مشهده. كما ذكره الكثير من المؤرخين مثل المؤرخ حماد السالمي والباحث محمد قاري السيدو المؤرخ عيسى القصيّر ورجل الآثار المرحوم ناصر الحارثي وغيرهم.
ومسجد المدهون بالطائف من المساجد التي عمرت خارج سور الطائف وهو شرق مسجد الطائف ومسجد الكوع ويقع على سطح جبل المدهون من غرب الجبل والتسمية يعزوها مؤرخون لوجود عين ماء تمر هناك؛ ويعود بنائه إلى العصر العثماني.
مسجد الخبزة
وهو المسجد الذي يقع على يمين الوادي وجددت عمارته حديثاً وسمي بذلك لأن من تحته تمر عين الخبزة وهو في بستان الرقاب الكبير كما يسمى مسجد الحصن لوجود آثار حصن متهدم بجواره. بالقرب من مسجد الكوع بالمثناة. وهو مربع الشكل، طول ضلعه 12 متراً ويحيط به صحن مكشوف من الجهتين الشرقية والجنوبية، ويقع المحراب في الضلع الغربي، ويستدل على أنه مسجد جامع بالمنبر الموجود على يمين المحراب. وتقع المئذنة في الركن الشرقي من المسجد.
مسجد الكوع
ويسمى الموقف ويقع هذا المسجد في السفح الجنوبي من جبل أبي الأخيلة وتسميه العامة الآن جبل أبي نخيلة وهذا المسجد مطل على الشريعة أي مشرعة عين المثناة أمامه دار تعرف بالباطنة.
وهناك مسجد صغير أسفل جبل أبي زبيدة يسمى مسجد الكوع ويشير المؤرخون إلى أنه مقام على بقعة وقف فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند قدومه الأول.
جاء في كتاب نشر اللطائف قي قطر الطائف:
بالطائف آثار مباركة تشرفت بمن له الشرف في الأصل صلى الله عليه وآله وسلم... إلى أن قال ومنها مسجد بقرب الجبانة يقال له: مسجد الراية، راية النبي صلى الله عليه وسلم وهو الآن خرب، وبجانبه آثار قبة بنيت على مضرب خيمة له وإلى ناحيته بئر قيل: شرب من مائها.. وبقربه موقف أول مجيئه إلى الطائف للحصار فلم يفتح عليه فرجع عنها وبجانبه رسم محل صلى فيه فيما يقال, وأيضاً موقف بجبل أبي زبيدة، وآخر عند وج، وصخرة عليها أثر موقفه صلى الله عليه وسلم في مسجد العداس بجبل أبي الأخيلة» اهـ.
وقال الشيخ عبدالحفيظ القارئ في تاريخه: ومن المشاهد النبوية والآثار المصطفوية بالمثناة: مأثرٌ جلس فيه صلى الله عليه وآله وسلم وأكل فيه العنب، وحوط عليه عداس وفيه قبر عداس المقدم ذكره وموضع آخر بجبل أبي زبيده في أعلاها عند مشرعة العين وهو مسجد بالمثناة وأثر الموقف ظاهر في ركن المسجد.
مسجد الصور
وهذا المسجد يقع قبلة بيت الهرساني وسمي بذلك لوقوعه بجوار قلعة مشرفة للشريف غالب في سفح جبل قرين.
مسجد السدرة الصادرة
الذي ينسب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أيضاً وهو مقام عند القرن الأسود من وادي نخب شرق الطائف وهي البقعة التي توقف عندها الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند دخوله الطائف من جهة ليّة, وهذا المسجد تهدم كما يبدو مرات عدة وخضع لإصلاح وترميم أكثر من مرة وملحق به ميضأة ومئذنة وتحيطه مقبرة مسورة.
وفي المثناه جنوب الطائف -وهي منطقة المساجد الأثرية وموطئ قدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند قدومه الأول للطائف الكثير من الآثار التاريخية- أن مدينة الطائف شهدت انتعاشاً اقتصادياً وتجارياً رائجاً، إضافة لبروز الكثير من الأعمال والشواهد الحضارية في تلك الفترة، خصوصاً في عام 970هـ، إلى عام 1300هـ، خلال عهد الكثير من الخلفاء العثمانيين، الذين ساهموا في تطور وحضارة مدينة الطائف، خاصة خلال القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري.
مسجد الهادي
ومن المساجد الأثرية مسجد الهادي اليمني الذي شيد عام 1050هـ قرب القلعة القديمة وبجواره بئر ويعتبر ثاني مسجد بالطائف لوقوعه بالمنطقة المركزية وبرحة القزاز التجارية. ومسجد السنوسي بالريع على جبل ابن منديل داخل السور وقد شيده السنوسي عند قدومه للطائف، كما حسّنه وجدد عمارته الشيخ محمد الوقاد.
ومسجد الراية الذي دخل في توسعة مسجد عبدالله بن العباس ومسجد باعنتر بناه أحمد باعنتر الذي توفي عام1091هـ على شارع هدية له منارة دائرية تعتمد على ثمانية أعمدة، وقد جدد بناؤه مؤخراً. وذكر المؤرخ العجيمي أن نزيل الصائغ قد أحدث عمارته.
ومن المساجد الأثرية مساجد العرابي وابن عقيل بحي أسفل ومسجدي المحجوب والجمة بحي السلامة، ومسجد بحرة الرغاء في لية ومسجد الغريب بالسليمانية ومسجد الهنود بالمنطقة المركزية، والقلعة ضمن منشآت قلعة الطائف بالعزيزية ومصلى العقيق الحجري وأقيم عليه الآن الجامع الكبير بالطائف ومن المساجد القريبه مسجد قرية أبي جميدة الطيني بالخرمة بناه مفلح بن ثواب السبيعي ومسجد السلمية قرب سوق صياح، والمسجد الجامع القديم بالسوق والذي جدد بناؤه مؤخراً ومسجد قمزان بالخرمة، ومسجد الملك عبدالعزيز بالهجرة وسط حي الهجرة بالخرمة، وعدة مساجد أثرية في رنية وتربة.
مسجد جرير
تحتضن قرية القضاة التابعة لمركز حداد بني مالك جنوب محافظة الطائف واحداً من أقدم المساجد في المحافظة، حيث يمثل مسجد الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي والذي يعتبر تحفة معمارية جميلة رغم قدم بنائه الذي يقال أنه ضارب بجذوره في التاريخ. ويوجد بالمسجد بعض المصاحف القديمة الموجودة والتي يعود تاريخ طباعتها للعام 1359هـ.
وعن المسجد يقول الباحث سلمان المالكي: إن ابن الأثير الجوزي ذكر في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة أن جرير مات بالسراة، ووقفت أنا شخصياً بقرية القضاة بموقع يعرف بالشليل، حيث ذكر الرواة أن هذه القرية هي القرية التي سكنها وتوفي بها، وهذا الموقع المعروف بالشليل نسبة إلى الشليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة وهو جرير بن عبدالله البجلي نسبة إلى بجيلة المكان والقبيلة، التي تقع الآن على بعد 140 كيلومتراً جنوب محافظة الطائف على امتداد جبال السروات التي تطل على تهامة.
مسجد حليمة السعدية
حليمة السعدية هي مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يعتقد أنها من قرية الشوحطة في الذويبات ببني سعد على بعد أكثر من 80 كيلا من جنوبي الطائف، كان هناك في سفح جبل أمام القرية مصلى محاط بجدران وأحجار اختفت بعض معالمها لكن الأهالي يتوارثون هذه المعلومة عن أسلافهم.
عبدالله بن سعد الحُضْبي السبيعي - كاتب وإعلامي سعودي
Alhudbe@hotmail.com