أ.د.عثمان بن صالح العامر
في السابق كانت كلمة الرجل هي الحاسمة، يموت دونها ولا يعيّرُ بها، ولذا لا يمكن لأحد أن ينكر ما عُلق في ذمته أو يعدل عن كلمته مهما كان الثمن، ولذلك كانت القضايا محدودة والقضاء بسيطاً في آلياته وطرائقه، فالناس فيهم من الصدق والطيبة والبساطة ما يجعل الجو العام ألفة ومحبة وودًّا، واليوم تغيرت نفوس البعض وتبدلت الأحوال؛ فصار الرجل يحلف الأيمان المغلظة على أمر ما بينه وبين أقرب الناس إليه، ومع ذلك سرعان ما يعدلُ عمّا عقد عليه قلبه متى ما وجد فيما أُبرم معه من عقود ثغرة ينفذ منها، فينكر ما علق في ذمته، أو يتهاون في أداء ما وجب عليه سداده، أو يحاول أن يتهرب ممّن كان صاحبه بالأمس حتى لا يطلب منه حقه ويلح عليه به، وإن لم يكن ثمة شيء مكتوب– وهذا موجود وللأسف الشديد اعتماداً على الثقة وتعويلاً على القرابة أو الصداقة - فسيكون الحال أشد وأنكى، ولن تُجدي كلمات الاستعطاف وعبارات الترجي وطلب النخوة، وقد يستنكر عليك مطالبتك بشيء يدّعي زوراً وبهتاناً أنه ليس لك؛ ليقينه بأنك لا تملك ما تدينه به، إذ لا شاهد ولا ورقة مكتوبة بينكما، وشهادة الله عز وجل واطلاعه على السر والعلن ليست في حسبانه لا من قريب ولا بعيد!!! وربما أرغى وأزبد، وهدّد وتوعد مع أنه هو من عليه الحق، ولكن باللحن ورفع الصوت يقلب الموازين في قبة العدل وعلى طاولة القضاء، «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، فلعلّ بعضَكم أن يكونَ ألحنَ بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ (منه شيئا)، فإنما أقطع له قطعة من النار»، ولذا كثرت القضايا وتنوعت المحاكم وتعددت المحاضر والسجلات التي تدون وتقيد قول هذا وذاك.
لذا فإن من بين الثقافات التي يحتاج الإنسان التزود بها في هذا الوقت الثقافة القانونية التي- على الأقل- تُعرف الإنسان ذكراً كان أو أنثى ما له من حقوق وما عليه من واجبات، سواء حين إبرام العقود أو عند وقوع المنازعات.
لقد كثرت مكاتب المحاماة وانتشرت بشكل كبير، وربما بالغ البعض منها في هامش الربح واستغلّ حاجة المواطن وجهله، فطالبه بمبالغ باهظة على شيء يسير وقضية واضحة وسهلة، أقول ربما، ولذا فإن مسئولية وزارة العدل بالتعاون مع الأقسام الأكاديمية في الجامعات والجمعيات العلمية السعودية والهيئات المختصة كالجمعية العلمية القضائية السعودية «قضاء» التي لها جهود متميزة وعمل نوعي فذ في كثير من مناطق المملكة، مثلها في ذلك الجمعية الفقهية السعودية والهيئة السعودية للمحامين، وجمعية الأنظمة السعودية في جامعة الملك سعود.. على هذه الجهات وغيرها التعاون والتكاتف من أجل نشر الثقافة القانونية في مجتمعاتنا المحلية، حتى يتمكن المواطن- على الأقل- من معرفة ما طرأ على الأنظمة القضائية من تغيّر وتطور، ومن أجل أن يتسنى له حفظ حقوقه وضمان عدم ضياعها أو التلاعب به من قبل بعض الاستغلاليين الذين لا يكترثون بأخلاقيات مهنة المحاماة، ولنبتعد عن المجاملة في البداية التي يتولد منها خصومات وخلافات مستقبلية جراء الإهمال وترك ما أمر الله به شرعاً من الكتابة والإشهاد في أطول آية من كتابه الكريم، المعروفة بآية الدَّين في سورة البقرة.
إن الزمن تغيّر، والحال تبدل عند البعض، ولذا فإن أخذ الحيطة والحذر حين إبرام العقود والتعامل المالي أمر مهم، حتى لا تضطر بعد ذلك لطرق أبواب المحاكم وطلب الاستشارات القانونية من المحامين والمختصين، وقد لا تجدي كل السبل والوسائل لاسترداد ولو شيء قليل من فٌقد. حفظ الله الحقوق، دمتم بود، والسلام.