د. خيرية السقاف
نعم الله لمن خلق, وما خلق لا تُحصى
لم يوقفها تعالى على البشر وحدهم, وإن خصهم باثنتين عظيمتين
واحدة ليُعملوها, والثانية ليحفظوها..
وكلاهما سلاح نصرته, أو هزيمته..!
الأولى نعمة العقل, المنوط ببوصلة كل أمر, ونهاية كل نتيجة..
قائد المرء لخيره, ولشره, صانع بداياته, ومآلاته, بوصلة مكنونه, ومخرَّجاته..
القوة العظمى في جسد الإنسان، والمكنون المذهل في صنع خالقه تعالى..
ما يَبني ويَهدم, ويزرع ويُحرق, ويُسقي ويُمحل, ويَمنح ويَحرم, ويُسعد ويُشقي !!..
والثانية مسؤولية الأمانة, فقائل يقول: إنّ الأمانة حمل ثقيل, وقد أبت الملائكة أن يحملنها, و»حملها الإنسان» وهو جهولٌ ظلوم, لكنه يستطيع, فالله تعالى ما كان سيظلمه بما لا يستطيع حين أودع فيه ما أودع من مقوّمات الاستطاعة وهي النعمة..
فإن أخلص إيمانه, وجاهد نفسه, وقوي على رغباته, ووظف مِنح الله له في نفسه, وذاته توظيفاً مدركاً لعظمة أمانته, لكانت الأمانة محور تفكيره, ومدار مداركه, وبؤرة أدائه مقاصدَ وأفعالاً..
فهو ليس خلواً من القدرة في هذا, بنصِّ مَن خلقه واعداً إياه بالجنة بعد أدائه لأمانته,
والجنة أقصى منازل الجزاء الرضيْ من الله نعمة ومآلاً: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} حيث {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (8،1 المؤمنون).
فالعقل, ومسؤولية الأمانة خصَّ الله بهما الإنسان دون خلقه الكلي تشريفاً, وتكليفاً..
كما إنه تعالى قد أعطى كل خلقه في كونه العظيم ما يؤهله من الوجود في الوجود ضمن نواميس محكمة, وديمومة منظمة, وعناية لا تغفل عنها عينه التي لا تعرف السِّنة, ولا تنام
حتى يقضي بأمره...
إنّ العقل, ومسؤولية الأمانة بينهما رابط قوي فمن أعمل عقله, وحرك كل ما فيه من الحس, والجوارح, والضمير أدركه, فأعْمَله, فاتخذ النهج، ووجّه السارية ..!
سبحانه ما أعظم نعمه, ما أعظمه, وما أوجب الحمد له ما أوجبه, حين يؤتى الحمد عملاً خالصاً متقناً لأداء التكاليف, والشكر للتشريف.
لكن, ما أظلم الإنسان في نفسه, وهو تمضي به آجاله,
فهل يفي بنعمة عقله, ويؤدي مسؤولية أمانته..
ليصل قاربه لشاطئ نجاة؟!