إبراهيم عبدالله العمار
نعم، إن مشاعرنا محيّرة لنا. إن الأسباب التي تصنع مشاعرنا تبدو غامضة لنا، وذلك بسبب العمليات العقلية اللا شعورية كما بيّن كتاب «اللا وعي»، وأحياناً كثيرة حتى الشعور نفسه (وليس فقط سببه) مبهم، فنشعر بعدة أشياء لا ندري أننا نشعرها.
عالم النفس ويليام جيمس أول من وضع أصلاً في علم النفس للمشاعر، فكانت نظريته أننا لا نرتجف بسبب الغضب أو نبكي بسبب الحزن، بل إننا على وعي بشعور الغضب لأننا نرتجف، ونحزن لأننا نبكي، وصُور المخ اليوم تدعم قوله، وأتاحت لنا أن نرى المشاعر أثناء تشكلها في المخ. إن المشاعر تشابه الإدراك والذاكرة، فهي تُبنى من البيانات الموجودة في المخ، والكثير من البيانات تأتي من اللا وعي الذي يستقبل المعلومات والحافزات من البيئة ويصنع رداً فسيولوجياً. المخ أيضاً يستخدم بيانات أخرى مثل معتقداتك وتوقعاتك ومعلومات عن الظروف الحالية وذلك ليعالجها ثم يُنتج شعوراً واعياً بالمشاعر، وهذا يفسر تأثير الدواء الوهمي (أقراص سكر مثلاً يأكلها المريض فيتحسن، فقط لأنه يظنها دواء)، فخلايا الأعصاب عندما ترسل إشارة ألم للمخ فإن تجربتك مع الألم تتغيّر حتى لو لم تتغيّر الإشارات نفسها.
إذا كانت المشاعر تُبنى من البيانات المحدودة بدلاً من الإدراك المباشر فإنه لا بد من وجود ظروف يملأ فيها العقل الفراغات من البيانات مما يجعلك مخطئاً في المشاعر (كما مع الإدراك والذاكرة)، وهذا ينتج ما يُسمى «وهم المشاعر»، ظاهرة شبيهة بالوهم البصري، وخذ هذه التجربة الطريفة: صنع العلماء دراسة ليروا أثر الفسيولوجية على المشاعر، فحُقِن المتطوعون بأدرينالين وقُسموا إلى مجموعات، وكل مجموعة كان فيها شخص زرعه الباحثون، ففي أول مجموعة أظهر المزروع السعادة والحماس للتجربة، بينما الآخر في الفريق الثاني أظهر الغضب والتذمّر، وبدأ تأثير الأدرينالين المَحقون يظهر في أجسام المتطوعين - بما في ذلك أعراض مثل ضربات قلب وضغط دم مرتفعان واحمرار الوجه وسرعة النفس -، ولم يكن المتطوعون يعرفون المادة التي حُقنوا بها ظانين أنها شيءٌ عادي، وكانت النتيجة أن المجموعة التي حوت الرجل السعيد شعرت بالسعادة، والتي حوت الغاضب شعرت بالغضب. ماذا حدث؟ لقد فسّروا أحاسيسهم الجسدية التي أحدثها الأدرينالين أنها إما غضب أو حماس. لقد وقعوا ضحية لوهم المشاعر.
أعجبني ما قاله أحد الملاكمين، فقال إنه لما يتجه للحلبة فإنه يشعر بتلك الأعراض الطبيعية، ولكنه يختار أن يفسرها أنها حماس وتشوّق لملاكمة خصمه بدلاً من تفسيرها أنها قلق وتوتر، وهذا ما يجعله أكثر اطمئناناً وثقة، وهي نظرة ممتازة ويدعمها العلم كما في تلك التجربة، وتستطيع أن تطبّقها كلما مرَّ بك موقف مُوَتِّر. المشاعر لغز كبير لنا وتحوي غرائب وتناقضات، لكن هناك وجه طيب، وهو تحويلنا لها إلى شيء إيجابي بدلاً من سلبي.