فوزية الجار الله
(على هذه الأرض ما يستحق الحياة..) *
وعلى هذه الأرض أيضاً حدث وما زال يحدث الكثير من القصص والحكايات التي يتشكَّل من خلالها حكمٌ وعِبرٌ تشعرنا بقيمة الحياة وجمالها وثمنها الباهظ.
أرون رالستون شاب أمريكي الجنسية عاشق للرياضة مولع بها، هوايته الأولى تسلُّق الجبال، في عام 2003م انطلق في رحلة عبر صحراء يوتاه غرب أمريكا، لكنه لم يكن يتوقع إطلاقاً ما حدث له بعد ذلك، كان يثق بقوة جسده الرياضي إلى درجة تقارب الغرور ولذا لم يكن يهاب الدخول في أقسى وأصعب المغامرات، اتخذ طريقه صعوداً إلى الجبل ثم أراد النزول إلى أسفل وأثناء مروره في وادٍ ضيق تدحرجت صخرة ضخمة من موقعها لتسقط فوقه، الصخرة تزن قرابة الـ 800 رطل وفي محاولة منه لتفاديها انحدرت بقوة على ذراعه اليمنى.. لتبقيها محشورة في الفراغ الضيق. هنا تبدأ معاناة الشاب ويدخل في صراع مع الجوع والعطش إضافة إلى آلام ذراعه المحشورة، في هذا الموقف العصيب يتذكَّر أنه لم يخبر أحداً أياً كان عن وجهته، لا أحداً من أفراد عائلته ولا من أصدقائه يعلم وجهته، لم يكن في تلك اللحظة يملك سوى كاميرا صغيرة وسكين مزدوجة وحافظة ماء صغيرة، يقوم في هذه الأثناء بتسجيل مقطع فيديو موجهاً لعائلته يعتذر منهم ويتحدث إليهم بمنتهى الأسى والأسف ويبلغهم بما حدث له، يفعل ذلك تحسباً لوفاته في هذا الموقع فلعل أحداً يمر من هنا ليجد الكاميرا ويعلم أهله وذويه سبب وفاته، يدخل في حالة من التأمل نتيجة ذلك الموقف العصيب الذي أعاق يده عن الحركة وبالتالي كامل جسده، يتعاقب عليه الليل والنهار وكلما مضى الوقت أصبح مهدداً بالموت هكذا بصمت، وذات لحظة تضيء في رأسه فكرة هي عبارة عن قرار شجاع: لا.. لن يموت هنا إطلاقاً..!! لو حدث ذلك ربما لن يجده ذووه سوى بعد بضعة أيام وربما يتحول إلى جثة هامدة ووليمة سهلة لوحوش الصحراء، عندها يقرر بتر ذراعه بنفسه باستخدام السكين الصغيرة المزدوجة، ويعاني ألماً مميتاً لمدة خمس ساعات متواصلة حتى ينتهي إلى بتر ذراعه بالكامل وعندها يتحرر جسده، رغبته في الحياة كانت دافعاً محرضاً منحته قوة روحية نادرة لاحتمال الألم وعمل المستحيل لإنقاذ نفسه..
بعد تحرره يقوم بتأليف كتاب يتضمن تجربته العجيبة النادرة الكتاب تحت عنوان:
(Between a Rock and a Hard Place)
ومن ثم يتم اقتباس فيلم من الكتاب بعنوان 127 ساعة.. لم أشاهد الفيلم سوى مؤخراً، منذ بضعة أشهر..
الخلاصة التي نتوصل إليها هنا بأن الحياة هبة عظيمة لا تُقدّر بثمن وأن ثمنها ربما يكون باهظاً فاليد المحشورة هنا ربما تكون رمزاً لكثير من النعم أو الأمور العزيزة على أنفسنا لكننا نضطر للتضحية بها لتكون ثمناً باهظاً لبقائنا على قيد الحياة.
* محمود درويش